سوناتا الحياة الزوجية المستحيلة لتولستوي
عن لوموند- الفرنسية.
بعض النصوص تبدو مثل الحيوانات المتوحشة، تريد أن تنقض وتمسك بتلابيبك ولا تفلتك. والمثال الصارخ عن هذا النوع من النصوص هو نص (سوناتا في كروتزر) الصادرعام 1888عن ليون تولستوي،
حيث يصادف هذا العام الذكرى المئوية الأولى لوفاته - وكان رومان رولان، كاتب السيرة الذاتية لتولستوي قد وصف هذا النص (بالعمل الشرس) ضد المجتمع. حتى إن تولستوي نفسه، وبعد فراغه من كتابته أصابه الرعب منه، وقد كتب في مقدمته يقول: «راعتني الخواتيم التي وضعتها، لا أرغب بأن أصدقها، ولكنني لا أستطيع، ليس أمامي سوى القبول بها.»
والسؤال ما أصل هذه النصوص؟ في عام 1887 أي العام السابق لكتابة هذه النصوص، أثارت سوناتا من تأليف بيتهوفن شجون وأحاسيس تولستوي بعد استماعه إليها، وحاول إقناع اثنين من أصدقائه، أحدهم رسام والآخر ممثل بأن يصنعوا من هذه الموسيقا إما مسرحية وإما لوحة فنية باعتبارها مصدر إلهام كبير. وفي نهاية المطاف، استفرد تولستوي لوحده في تحقيق هذا المشروع، وخرج منه (بموسيقا حجرة) خاصة جداً، احتوت على اعترافات طويلة وحانقة مصحوبة بنغمات صامتة من الحقد والاشمئزاز.
الاشمئزاز من الزواج، في البداية، الذي رأى فيه شكلاً من أشكال (الدعارة الشرعية)، الاشمئزاز من اللحم، القذر والحزين «فيه من القذارة التي تحط من قدرنا إلى مرتبة الخنازير.». وأخيراً الاشمئزاز من المرأة، التي وصفها بكلام فاضح: «تضع المرأة 90% من البشرية تحت نير العبودية، نعم، وكل الأشياء تنبع من هنا. وتتحول المرأة إلى سلاح هجوم حسي بحيث يعجز الرجل عن إقامة علاقة مريحة معها.» وهكذا فقد وضع تولستوي مساجلاته العنيفة تلك في فم مختل وقاتل لزوجته. ولم يستغرق وقتاً طويلاً حتى أحدث هذا النص صدمة قنبلة انفجرت.
طبعاً أثرها كان لدى زوجته، صوفيا أندرييفينا (1844-1919) باعتبارها القارئة الأولى له. ونظراً لكونها الزوجة الوفية، حيث كانت الكونتيسة تولستوي - (رغم إنجابها 13 ابناً، وإدارتها شؤون مزرعة ازنايا بوليانا) – تحرص على إعادة كتابة وتصحيح النصوص المكتوبة بخط يد رجل طاعن في السن، وعندما اكتشفت نص (سوناتا في كروتزر) شغفها هذا النص بقدر ما أرعبها، وكتبت في يومياتها تقول: «شعرت... أن تلك الحكاية موجهة ضدي،وقد أهانتني أمام العالم.»
وتجاه ذلك، ماذا عساها فاعلة؟ في بداية الأمر سافرت إلى بطرسبورغ، حيث كان النص هناك موضع سجال، كما قد خضع لرقابة القيصر الكسندر الثالث، وبعد مفاوضات طويلة حصلت على الموافقة بنشره – وقد رأت في ذلك أفضل وسيلة لكم أفواه جميع أولئك الذين ظنوا بأن هذا النص هو صورة لزواجها. وفي عام 1892 انطلقت في الرد على نص السوناتا، من خلال نص أطلقت عليه تسمية معبرة ومؤثرة (على من يقع الخطأ؟) وأعطت عنواناً فرعياً له باسم رواية امرأة (بخصوص نص سوناتا في كوتزار للكاتب ليون تولستوي بقلم صوفيا تولستوي). ولم يتح لهذا النص النشر في روسيا، والبعض قال إنه تم إخفاؤه على مدى قرن. وجرى ترجمته لأول مرة في فرنسا تزامناً مع ترجمة مذكرات صوفيا تولستوي. وكتاب (على من يقع الخطأ؟) ليس تحفة أدبية بحد ذاته، وإنما قراءة نصوص ليون وصوفيا بالتقابل والتداخل ينطوي على متعة كبيرة. وتلك اللعبة الشيطانية بين القط والفأر تنتج لدى القارىء نفس السحر المرعب المذكور في بداية المقال. من جهة في فصل (صوفيا بنظر صوفيا) نجد فيه نفساً متحمسة وعاطفية، مسكونة (بالورع والتقوى). ومن جهة أخرى، وفي فصل (ليون بنظر صوفيا) نجد الإنسان التعسفي في منزله (غير المبالي حالما يفرغ من حاجته لزوجته). أما في فصل (ليون بنظر ليون) فإننا نجد هنا (روح روسيا العظيمة) هذا العبقري الذي لا تهدأ له حركة، الذي يريد التكلم إلى الناس العاديين بصفتهم إخوة له. وأخيراً في فصل (صوفيا بنظر ليون)، نقرأ عن الطماعة العنيدة، التي لا تستمع البتة إلى نزعة التصوف المتأخرة لدى زوجها، وحقدها تعبر عنه عند كل منعطف.
تولستوي ضد تولستوي... واللافت أن الزوجين يتكلمان عن نفس الشيء، أو بالأحرى يستفسران حول نفس المسائل، حول النفاق والمراءات في الحياة الزوجية، وحول المكانة المفترضة للجنس في المجتمع وفي حياتنا. يقولان إنهما لا يستطيعان العيش بعيداً عن بعضهما ولا يتخليان، مهما كان الثمن عن تيههما العذب الراقي، الذي كان، في كل يوم، يضيف التوابل على علاقة الحب- الكره بينهما. ويخلص تولستوي إلى القول في نهاية السوناتا: «كنا مثل محكومين بالأشغال الشاقة مقيدان إلى نفس السلسلة التي يكرهونها وتسمم وجودهم مع بعضهما، هذا مع سعيهما إلى عدم النظر في أي شيء.». وفي نهاية تلك الحكاية يقتل بوزدينيشيف، المجنون بالغيرة زوجته الزانية ولكن ليون وصوفيا لم يقتلا بعضهما إلا عبر الكتب المتداخلة. وسوف تستمر علاقتهما المستحيلة على مدى 48 عاماً لغاية عام 1910, العام الذي غادر به تولستوي بشكل سري ازنايا بوليانا ليموت وحيداً في محطة أستابوفو. وسوف تحاول صوفيا لدى قراءة رسالة الوداع الغرق ضمن بركة...
باختصار، إلى الشبان الذين سوف يقرؤون هذه السطور ويريدون تجريب تلك المغامرة الأدبية، نقول لهم: اقرؤوا مراراً وتكراراً رواية آنا كارنينا. أما أولئك الذي يرغبون في الانطلاق بمغامرة زوجية، نقول لهم: ابحثوا لكم عن نماذج أخرى غير تلك!
عن لوموند- الفرنسية.
بعض النصوص تبدو مثل الحيوانات المتوحشة، تريد أن تنقض وتمسك بتلابيبك ولا تفلتك. والمثال الصارخ عن هذا النوع من النصوص هو نص (سوناتا في كروتزر) الصادرعام 1888عن ليون تولستوي،
حيث يصادف هذا العام الذكرى المئوية الأولى لوفاته - وكان رومان رولان، كاتب السيرة الذاتية لتولستوي قد وصف هذا النص (بالعمل الشرس) ضد المجتمع. حتى إن تولستوي نفسه، وبعد فراغه من كتابته أصابه الرعب منه، وقد كتب في مقدمته يقول: «راعتني الخواتيم التي وضعتها، لا أرغب بأن أصدقها، ولكنني لا أستطيع، ليس أمامي سوى القبول بها.»
والسؤال ما أصل هذه النصوص؟ في عام 1887 أي العام السابق لكتابة هذه النصوص، أثارت سوناتا من تأليف بيتهوفن شجون وأحاسيس تولستوي بعد استماعه إليها، وحاول إقناع اثنين من أصدقائه، أحدهم رسام والآخر ممثل بأن يصنعوا من هذه الموسيقا إما مسرحية وإما لوحة فنية باعتبارها مصدر إلهام كبير. وفي نهاية المطاف، استفرد تولستوي لوحده في تحقيق هذا المشروع، وخرج منه (بموسيقا حجرة) خاصة جداً، احتوت على اعترافات طويلة وحانقة مصحوبة بنغمات صامتة من الحقد والاشمئزاز.
الاشمئزاز من الزواج، في البداية، الذي رأى فيه شكلاً من أشكال (الدعارة الشرعية)، الاشمئزاز من اللحم، القذر والحزين «فيه من القذارة التي تحط من قدرنا إلى مرتبة الخنازير.». وأخيراً الاشمئزاز من المرأة، التي وصفها بكلام فاضح: «تضع المرأة 90% من البشرية تحت نير العبودية، نعم، وكل الأشياء تنبع من هنا. وتتحول المرأة إلى سلاح هجوم حسي بحيث يعجز الرجل عن إقامة علاقة مريحة معها.» وهكذا فقد وضع تولستوي مساجلاته العنيفة تلك في فم مختل وقاتل لزوجته. ولم يستغرق وقتاً طويلاً حتى أحدث هذا النص صدمة قنبلة انفجرت.
طبعاً أثرها كان لدى زوجته، صوفيا أندرييفينا (1844-1919) باعتبارها القارئة الأولى له. ونظراً لكونها الزوجة الوفية، حيث كانت الكونتيسة تولستوي - (رغم إنجابها 13 ابناً، وإدارتها شؤون مزرعة ازنايا بوليانا) – تحرص على إعادة كتابة وتصحيح النصوص المكتوبة بخط يد رجل طاعن في السن، وعندما اكتشفت نص (سوناتا في كروتزر) شغفها هذا النص بقدر ما أرعبها، وكتبت في يومياتها تقول: «شعرت... أن تلك الحكاية موجهة ضدي،وقد أهانتني أمام العالم.»
وتجاه ذلك، ماذا عساها فاعلة؟ في بداية الأمر سافرت إلى بطرسبورغ، حيث كان النص هناك موضع سجال، كما قد خضع لرقابة القيصر الكسندر الثالث، وبعد مفاوضات طويلة حصلت على الموافقة بنشره – وقد رأت في ذلك أفضل وسيلة لكم أفواه جميع أولئك الذين ظنوا بأن هذا النص هو صورة لزواجها. وفي عام 1892 انطلقت في الرد على نص السوناتا، من خلال نص أطلقت عليه تسمية معبرة ومؤثرة (على من يقع الخطأ؟) وأعطت عنواناً فرعياً له باسم رواية امرأة (بخصوص نص سوناتا في كوتزار للكاتب ليون تولستوي بقلم صوفيا تولستوي). ولم يتح لهذا النص النشر في روسيا، والبعض قال إنه تم إخفاؤه على مدى قرن. وجرى ترجمته لأول مرة في فرنسا تزامناً مع ترجمة مذكرات صوفيا تولستوي. وكتاب (على من يقع الخطأ؟) ليس تحفة أدبية بحد ذاته، وإنما قراءة نصوص ليون وصوفيا بالتقابل والتداخل ينطوي على متعة كبيرة. وتلك اللعبة الشيطانية بين القط والفأر تنتج لدى القارىء نفس السحر المرعب المذكور في بداية المقال. من جهة في فصل (صوفيا بنظر صوفيا) نجد فيه نفساً متحمسة وعاطفية، مسكونة (بالورع والتقوى). ومن جهة أخرى، وفي فصل (ليون بنظر صوفيا) نجد الإنسان التعسفي في منزله (غير المبالي حالما يفرغ من حاجته لزوجته). أما في فصل (ليون بنظر ليون) فإننا نجد هنا (روح روسيا العظيمة) هذا العبقري الذي لا تهدأ له حركة، الذي يريد التكلم إلى الناس العاديين بصفتهم إخوة له. وأخيراً في فصل (صوفيا بنظر ليون)، نقرأ عن الطماعة العنيدة، التي لا تستمع البتة إلى نزعة التصوف المتأخرة لدى زوجها، وحقدها تعبر عنه عند كل منعطف.
تولستوي ضد تولستوي... واللافت أن الزوجين يتكلمان عن نفس الشيء، أو بالأحرى يستفسران حول نفس المسائل، حول النفاق والمراءات في الحياة الزوجية، وحول المكانة المفترضة للجنس في المجتمع وفي حياتنا. يقولان إنهما لا يستطيعان العيش بعيداً عن بعضهما ولا يتخليان، مهما كان الثمن عن تيههما العذب الراقي، الذي كان، في كل يوم، يضيف التوابل على علاقة الحب- الكره بينهما. ويخلص تولستوي إلى القول في نهاية السوناتا: «كنا مثل محكومين بالأشغال الشاقة مقيدان إلى نفس السلسلة التي يكرهونها وتسمم وجودهم مع بعضهما، هذا مع سعيهما إلى عدم النظر في أي شيء.». وفي نهاية تلك الحكاية يقتل بوزدينيشيف، المجنون بالغيرة زوجته الزانية ولكن ليون وصوفيا لم يقتلا بعضهما إلا عبر الكتب المتداخلة. وسوف تستمر علاقتهما المستحيلة على مدى 48 عاماً لغاية عام 1910, العام الذي غادر به تولستوي بشكل سري ازنايا بوليانا ليموت وحيداً في محطة أستابوفو. وسوف تحاول صوفيا لدى قراءة رسالة الوداع الغرق ضمن بركة...
باختصار، إلى الشبان الذين سوف يقرؤون هذه السطور ويريدون تجريب تلك المغامرة الأدبية، نقول لهم: اقرؤوا مراراً وتكراراً رواية آنا كارنينا. أما أولئك الذي يرغبون في الانطلاق بمغامرة زوجية، نقول لهم: ابحثوا لكم عن نماذج أخرى غير تلك!
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين