ضيف العدد ..ثورة مصر وبن غوريون
بيروت
سياسة
الاحد 13 شباط 2011
ناصر قنديل
قبل أن يهدأ جمر الثورة المصرية، وقبل أن تحقق أهدافها الكاملة، بل وقبل أن يتسنى لها الاحتفال بتحقيق الفصل الأول من إنجازاتها بإجبار رأس النظام على الرحيل، كانت الأسئلة تأتي من موقع القلق والحرص حول مدى وضوح الرؤية لمستقبل مصر، سواء لجهة مستقبل دورها في الصراع مع إسرائيل والدفاع عن الحقوق العربية ولاسيما مستقبل اتفاقية كامب ديفيد، أو لجهة مستقبل القدرة الأميركية على التلاعب بمصير الثورة والعمل على احتوائها من بوابة دور الجيش المصري.
وبالرغم من أن الأسئلة مشروعة، وستبقى مطروحةً ولا غضاضة في بقاء العين مفتوحة عليها، فإن في طرحها بعض الظلم لثورة مصر، ذلك أن الثورة وقبل أن تحقق شيئاً من هذا حققت الكثير الكثير.
في العام 1947 كتب دافيد بن غوريون رؤيته لمستقبل إسرائيل فقال: «إن مستقبل إسرائيل ووجودها يتوقفان على ثبات واستقرار علاقتها مع الكيانات الصانعة للاستراتيجيات في المنطقة، وأبرزها أضلاع المثلث المحيط بإسرائيل تركيا وإيران ومصر».
ويوم نشوء الكيان كانت إسرائيل تأنس بمعادلة بن غوريون، في ظل الإمساك الغربي بمفاصل الحكم في كل من مصر وتركيا وإيران، ومنذ قيام ثورة جمال عبد الناصر دخلت إسرائيل حالة ارتباك إستراتيجي لم تخرج منها إلا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، كما كتب في مقال تحية لبن غوريون الباحث الاستراتيجي العسكري زئيف شيف عام 1979.
بعد أشهر من مقال الشكر كتب زئيف شيف مقال اعتذار لبن غوريون مع انتصار الثورة الإيرانية، مفسراً معنى اهتزاز المثلث الاستراتيجي الضامن لإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تخوض غمار حروبها المباشرة وغير المباشرة في وجه إيران لاستعادة الاستقرار الاستراتيجي، وفي قلب الحروب وقبل أن تنتهي بدأ التحول التركي وصارت حروبها أشد تعقيدا، حتى كتب زئيف شيف أثناء حرب تموز 2006 على لبنان، مستعيدا مقولة أخرى لبن غوريون يقول فيها، إن إسرائيل تعرف أن مصدر الخطر عليها هو دائما سيأتي من سورية، لكن سورية لا تستطيع أن تخوض حرباً من دون مصر أو تركيا أو إيران، ويستعير وصفاً لبن غوريون يقول فيه، إن إسرائيل لا تتحمل هزيمة واحدة على المستوى الاستراتيجي، مستخلصاً أن إسرائيل دخلت مرحلة الذوبان الاستراتيجي، لأن إيران صارت خارج قدرة إسرائيل على التطويع والتركيع، وتركيا دخلت التحول الاستراتيجي، وسورية تستند الى ركيزتين تعوضان العلاقة الاستراتيجية لإسرائيل مع مصر، والأخطر أن بداية هذا التحول سجلت الهزيمة التي حذر من خطرها بن غوريون، ومات زئيف شيف بحرقة التحولات والهزيمة معا.
اليوم يكتمل مثلث الذوبان الاستراتيجي الذي حذر منه بن غوريون، فمصر لم تعد الدولة المركزية القوية التي بناها كامب ديفيد على قياس حماية إسرائيل، والحد الأدنى الذي حققته الثورة كاف حتى اليوم، وهو نقل مصر من سبب لقلق قوى المقاومة والممانعة إلى سبب لقلق محور الشر الحقيقي في المنطقة، الذي تقوده إسرائيل وتقف وراءه الولايات المتحدة الأميركية.
يكفي ما كتبه مفكرو تل أبيب وواشنطن عن الخسائر المترتبة على الثورة المصرية قبل أن يكتمل قطافها، فالتفكير في الحرب على لبنان وسورية وإيران أصبح شيئاً من الماضي، والملف النووي الإيراني كما متابعة الضغوط على لبنان وسورية بنود تراجعت عن أولويات جدول الأعمال، والتسريع بحسم الانسحاب الأميركي العسكري من العراق وأفغانستان صار مطلباً سريعا لوزارة الدفاع الأميركية، وبدأت في إسرائيل أصوات الذعر تتحول إلى دعوات لاستعجال السلام على المسارات السورية واللبنانية والفلسطينية، باعتبارها شبكة الأمان الوحيدة قبل أن يكتمل التحول المصري، وقبل أن تنهار حلقات أخرى من مواقع عربية يحتلها الأميركيون سياسياً واقتصادياً، وفي أحيان كثيرة عسكرياً ومخابراتياً، ودائما لحساب إسرائيل.
عندما تكون واشنطن قد استلكهت مئات ساعات العمل على مستوى الرئاسة لمواكبة الثورة المصرية، مئة ساعة في عشرة أيام يعني عشر ساعات يوميا، أميركا لا تستهلك هذا القلق في حسابات رئيسها، هذا كاف لنعرف حجم التغيير الحاصل، ومهما كان التحول الكامل بطيئا فهو آت لأنه سياق طبيعي وصيرورة إجبارية، لسقوط نظام كامب ديفيد المسؤول عن الحرب على غزة والحرب على لبنان، لأن السؤال البدهي لو لم تكن مصر حيث كانت هل كان بمقدور إسرائيل أن تشن كل حروبها منذ كامب ديفيد ؟ الجواب في مذكرات آرييل شارون عن مقدمات اجتياح لبنان 1982، وكيف أن كامب ديفيد وحدها أعطت إسرائيل الفرصة لما سماه المبادرة الاستراتيجية التي افتقدتها بعد حرب تشرين 1973.
صحيفة تشرين....................................................ز
بيروت
سياسة
الاحد 13 شباط 2011
ناصر قنديل
قبل أن يهدأ جمر الثورة المصرية، وقبل أن تحقق أهدافها الكاملة، بل وقبل أن يتسنى لها الاحتفال بتحقيق الفصل الأول من إنجازاتها بإجبار رأس النظام على الرحيل، كانت الأسئلة تأتي من موقع القلق والحرص حول مدى وضوح الرؤية لمستقبل مصر، سواء لجهة مستقبل دورها في الصراع مع إسرائيل والدفاع عن الحقوق العربية ولاسيما مستقبل اتفاقية كامب ديفيد، أو لجهة مستقبل القدرة الأميركية على التلاعب بمصير الثورة والعمل على احتوائها من بوابة دور الجيش المصري.
وبالرغم من أن الأسئلة مشروعة، وستبقى مطروحةً ولا غضاضة في بقاء العين مفتوحة عليها، فإن في طرحها بعض الظلم لثورة مصر، ذلك أن الثورة وقبل أن تحقق شيئاً من هذا حققت الكثير الكثير.
في العام 1947 كتب دافيد بن غوريون رؤيته لمستقبل إسرائيل فقال: «إن مستقبل إسرائيل ووجودها يتوقفان على ثبات واستقرار علاقتها مع الكيانات الصانعة للاستراتيجيات في المنطقة، وأبرزها أضلاع المثلث المحيط بإسرائيل تركيا وإيران ومصر».
ويوم نشوء الكيان كانت إسرائيل تأنس بمعادلة بن غوريون، في ظل الإمساك الغربي بمفاصل الحكم في كل من مصر وتركيا وإيران، ومنذ قيام ثورة جمال عبد الناصر دخلت إسرائيل حالة ارتباك إستراتيجي لم تخرج منها إلا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، كما كتب في مقال تحية لبن غوريون الباحث الاستراتيجي العسكري زئيف شيف عام 1979.
بعد أشهر من مقال الشكر كتب زئيف شيف مقال اعتذار لبن غوريون مع انتصار الثورة الإيرانية، مفسراً معنى اهتزاز المثلث الاستراتيجي الضامن لإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تخوض غمار حروبها المباشرة وغير المباشرة في وجه إيران لاستعادة الاستقرار الاستراتيجي، وفي قلب الحروب وقبل أن تنتهي بدأ التحول التركي وصارت حروبها أشد تعقيدا، حتى كتب زئيف شيف أثناء حرب تموز 2006 على لبنان، مستعيدا مقولة أخرى لبن غوريون يقول فيها، إن إسرائيل تعرف أن مصدر الخطر عليها هو دائما سيأتي من سورية، لكن سورية لا تستطيع أن تخوض حرباً من دون مصر أو تركيا أو إيران، ويستعير وصفاً لبن غوريون يقول فيه، إن إسرائيل لا تتحمل هزيمة واحدة على المستوى الاستراتيجي، مستخلصاً أن إسرائيل دخلت مرحلة الذوبان الاستراتيجي، لأن إيران صارت خارج قدرة إسرائيل على التطويع والتركيع، وتركيا دخلت التحول الاستراتيجي، وسورية تستند الى ركيزتين تعوضان العلاقة الاستراتيجية لإسرائيل مع مصر، والأخطر أن بداية هذا التحول سجلت الهزيمة التي حذر من خطرها بن غوريون، ومات زئيف شيف بحرقة التحولات والهزيمة معا.
اليوم يكتمل مثلث الذوبان الاستراتيجي الذي حذر منه بن غوريون، فمصر لم تعد الدولة المركزية القوية التي بناها كامب ديفيد على قياس حماية إسرائيل، والحد الأدنى الذي حققته الثورة كاف حتى اليوم، وهو نقل مصر من سبب لقلق قوى المقاومة والممانعة إلى سبب لقلق محور الشر الحقيقي في المنطقة، الذي تقوده إسرائيل وتقف وراءه الولايات المتحدة الأميركية.
يكفي ما كتبه مفكرو تل أبيب وواشنطن عن الخسائر المترتبة على الثورة المصرية قبل أن يكتمل قطافها، فالتفكير في الحرب على لبنان وسورية وإيران أصبح شيئاً من الماضي، والملف النووي الإيراني كما متابعة الضغوط على لبنان وسورية بنود تراجعت عن أولويات جدول الأعمال، والتسريع بحسم الانسحاب الأميركي العسكري من العراق وأفغانستان صار مطلباً سريعا لوزارة الدفاع الأميركية، وبدأت في إسرائيل أصوات الذعر تتحول إلى دعوات لاستعجال السلام على المسارات السورية واللبنانية والفلسطينية، باعتبارها شبكة الأمان الوحيدة قبل أن يكتمل التحول المصري، وقبل أن تنهار حلقات أخرى من مواقع عربية يحتلها الأميركيون سياسياً واقتصادياً، وفي أحيان كثيرة عسكرياً ومخابراتياً، ودائما لحساب إسرائيل.
عندما تكون واشنطن قد استلكهت مئات ساعات العمل على مستوى الرئاسة لمواكبة الثورة المصرية، مئة ساعة في عشرة أيام يعني عشر ساعات يوميا، أميركا لا تستهلك هذا القلق في حسابات رئيسها، هذا كاف لنعرف حجم التغيير الحاصل، ومهما كان التحول الكامل بطيئا فهو آت لأنه سياق طبيعي وصيرورة إجبارية، لسقوط نظام كامب ديفيد المسؤول عن الحرب على غزة والحرب على لبنان، لأن السؤال البدهي لو لم تكن مصر حيث كانت هل كان بمقدور إسرائيل أن تشن كل حروبها منذ كامب ديفيد ؟ الجواب في مذكرات آرييل شارون عن مقدمات اجتياح لبنان 1982، وكيف أن كامب ديفيد وحدها أعطت إسرائيل الفرصة لما سماه المبادرة الاستراتيجية التي افتقدتها بعد حرب تشرين 1973.
صحيفة تشرين....................................................ز
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين