ومن الشائع أن الخلود للخالق ...!
فهل وهبه شيء منه...؟
قال: الخالد خالد بن يزيد المتوفى سنة خمس وثمانون للهجرة واصفا له :
يا طالبا ً بوريطش الحكماء عي منطقاً حقا بغير خفاء
هو زئبق الشرق الذي هتفوا به في كتبهم من جملة الأشياء
سموه زهراً في خفي رموزهم والخرشقلا أغمض الأسماء
ودعوه بابن النار كي ما يصدقوا عن صنعةٍ بخلاً عن البُعداء
فإذا أردت مثاله فاعمد إلى جسم النحاس وناره الصفراء
وامزجهما مزج امرئ ذي حكمة واحكم مزاوجة الهوا بالماء
واسحق مركبك الذي زوجته بالجدِّ من صبح إلى الإمساء
سحقا يفتِّته وينهك جسمه حتى تراه كزبدةٍ بيضاء
واجمعه واتقنه ودعه بصرفه حتى الصباح وغطه بغطاء
هذا أبار نحاسهم فافطن له هذا مذِّل ذوي اللحى الّنجباء
هذا هو الإكسير فارف قدره هذا حياة جماعة الإحياء
من ناله أضحى عظيما في الورى يسمو على الخلطاء والنظراء
هذا مـزيل الفـقر عن أحزانه فيُرى بحُسْنِ الحال كـالأمراءِ
يا ربِّ عـلمه امـرءً مــتـورعـا في الدين ذا كرم وذا إعطاءِ
واحرمه كلَّ مـنـافـق متـجـبر يسطو على الأصحاب والقرناءِ
أو حـاسد أو ظـالم أو مـارقٍ أو خَلَفِ سوء مقرَّبٍ بـبـلاءِ
من ناله يسمو ويـعلو قــدرُه بين الأنام وكـان ذا إثــراءِ
هذا الذي أردى الأنـام بجهلهم حتى أصارهم إلى الإكـداءِ
حُرِّجَ عليَّ منال ما قد قلته إن ننطوي فيه على الإفشاءِ
خالد بن يزيد والراهب مريانس
وجاء في ديوان خالد بن يزيد ما جرى بينه وبين الراهب مريانس من الأسئلة العجيبة، وذلك لمَّا أرسل خالد غلامه غالبًا وراءه إلى بيت المقدس:
فلما كان ذا يوم قال له خالد:يا مريانس، إني طلبت علم الصنعة لأعلمها، وبحثتُ عن خبرها وأمرها، واستقصيت عنها، فلم أرَ من يخبرني عنها، وأنا أسالك أن تسبب لي أمرها وعلاجها، ولك مني ما تحبُّ، مع عودتك إلى موضعك الذي كنت فيه.
قال مريانس:
أنصت للحكم معرفة وفهمًا تَعْلَمْهَا، وتفكَّر في أصول الأشياء تُدْرِكْ فروعها؛ إن هذا الأمر الذي طلبت ليس يقدر عليه أحد إلا بتؤدة، ولا يظفر به العنف، ولا يوصل إليه من عالم إلا بالتؤدة والرفق والحب الصادق، فأوَّلُ ذلك رزق يسوقه الله إلى من يشاء من خلقه بالقدرة الغالبة، يتسبب له تعلم ذلك، ويكشف له عن مستوره، وإنما هو موهبة من الله تعالى يعلمه من أحب من خلقه الذليلين الخاضعين له.
ويُضيف مريانس في تعليمه خالد بن يزيد، يقول: "قال فيثاغورس: كما أن الأشياء كلها إنما كانت، وأتحدث من الواحد، كذلك هذه الصنعة إنما هي شيء واحد. وكما أن في بدن الإنسان الطبائع الأربع خلقها الله -تعالى ذِكْرُهُ- وجعلها مفروقة منفصلة، ومنفصلة مجتمعة، ومفترقة يجمعها بدن واحد، وكل واحد منها يعمل عملاً غير صاحبه، له قوَّة ولون وسلطان على حِدَة، كذلك هذا الشيء، وفي هذا شهادات الحكماء إذا نظرت فيها كثيرة.
واعلم -أيها الأمير- أنه لا يضيع شيء مما خلقه الله إلا مثل لونه ومثل شبهه، ألا ترى حبة القمح كيف تقع في الأرض فتموت، وتلين، وتعفن، وتسودُّ، وتخضرُّ، وتبيضُّ، ثم ترجع إلى جوهرها الأول، كذلك جميع ما خلق الله من النبات والحيوان... وقال هرمس: خذ الحجر الأحمر ظاهرة والبياض عنصره، فأديموا عليه السحق، حتى يظهر منه ما خفي على الناس من خير وما بقي. وقال زوسم: إن عملنا من الياقوتة الحمراء -التي أخرجت من بيضة الحكماء وسميناه العصفر- فهذا الحجر أيها الأمير يحترق بذاته من غير حاجة منه إلى غيره، ولا يختلط به سواه، فهو يحرق جسمه كما يحترق العود، ويصير فحمًا أسود، أو أبيض كما يبيض به، فاكتفِ بما قلته لك.
وفي آخر الديوان، قال خالد: "فهل فرغ تدبير الإكسير، أو بقي منه شيء لم تخبرني به؟". قال: "قد فرغ لمن أحبَّ الاختصار، فأما من أحب الفاتر فليسقه من الماء الخالد، يكون معداله، وعنده فإنه يزيد صبغه وقوته، وما لي أُكْثر عليك أيها الأمير، واعلم أنه يزيد في صبغه بلا نهاية، ويشرب كلما تسقيه بلا نهاية"
وتظهر في هذه الرسائل مدى رغبة خالد بن يزيد في تعلُّم الكيمياء، حتى إن كان هذا الأمر على يد راهب؛ مما يدل على مدى حبِّه للعلم والتعلم، وعدم تعصبه ضد دين أو جنس أو لون.
خالد بن يزيد في رؤية المؤرخين
انقسم المؤرخون والمفكرون في آرائهم حول خالد بن يزيد، فمنهم من أنكر عليه اشتغاله بالكيمياء؛ مثل: ألدومييلي، الذي يقول: "لقد رفع بعض المؤرخين العرب -ثم بعض الكتاب المحدثين من بعدهم- من ذكر خالد بن يزيد بن معاوية، الذي لُقِّبَ كثيرًا بالحكيم أو الفيلسوف… ولم يقتصر كما زعموا على تشجيعه علماء اليونان وحثهم على ترجمة الكتب المؤلفة بلغتهم إلى العربية، بل كان هو نفسه عالمًا أصيلاً، عَنَى على الأخص بعلم الصنعة (الكيمياء القديمة) التي تعلمها -إن صحَّ ذلك- من راهب يوناني اسمه مريانس، وليس ذلك إلا محض افتراء، وعلى الأخص ما ذُكِرَ عن تبحره في علم الصنعة، وفوق ذلك كانت ترجمة كتب اليونان إلى العربية متأخرة عن ذلك العهد، كما أن المؤلفات العربية الأصلية أحدث كثيرًا منه".
ومن الافتراءات التي لحقت بخالد بن يزيد قول المستشرق الألماني يوليوس روسكا، أن أغلب الكتب التي نسبت إلى خالد، أو من جاء بعده بقليل، قد كتبها غيرهم بعد وفاتهم بمدة طويلة ونسبوها إليهم. ويردُّ ستابلتون على تلك الافتراءات قائلاً: "إن مثل هذه الآراء لا تستند إلى أدلة تاريخية صحيحة، ولا مَبْنِيَّة على العمق في التحقيق والتجرد في الحكم".
ويواصل روسكا افتراءاته قائلاً: "إن حاجي خليفة الذي كتب بعد قرون سبعة مدعيًا بأن لخالد خمسة عشر وثلاثمائة وألفين بيتًا من الشعر في موضوع الصنعة (الكيمياء) لهو زعم كبير". ويرد عليه الكيميائي هوليمارد قائلاً: "وحتى في الظروف التي أشار إليها روسكا، فلا تزال كتب وأشعار لخالد في مكتبات الهند ومصر وأوربا لم تُمَحَّصْ بعدُ ولم تُحَقَّقْ".
كذلك أنكر بعض المؤرخين العرب -مثل ابن خلدون في مقدمته- على خالد اشتغاله بالكيمياء لبداوته، وأن العرب لم يكونوا قد وصلوا بعدُ إلى الدرجة التي تمكنهم من الخوض في علوم غريبة عليهم، مثل علم الصنعة. ويردُّ عليه الكيميائي علي جمعة الشكيل في كتابه (الكيمياء في الحضارة الإسلامية) بأنه: "لئن كان أقرب إلى البداوة منه إلى الحضارة، إلا أنه عاش في عصر متحضر، وفي منطقة زخرت بالفلاسفة والعلماء، وإن كانوا من غير المسلمين. كما أن عدم حصوله على الخلافة قد يكون السبب الجوهر في اتجاهه إلى العلم (الجديد)، وربما كان العمل بالكيمياء متنفسًا له؛ لتغطية عزوفه عن خلافة المسلمين"
لذا فليس غريبًا أن نجد علماء الغرب يشهدون بما قدمه خالد بن يزيد، فها هو جاك ريسلر يقول في كتابه الحضارة العربية: "هل هو واقع الظروف، أم واقع ذكاء العرب النظري، أن يشغفوا بما يثير الإعجاب، فقد اتجه خالد بن يزيد إلى ترجمة الكتب القديمة في الكيمياء إلى اللغة العربية، وتُعَدُّ من أولى الترجمات".
عدل سابقا من قبل معاز في الجمعة مارس 11, 2011 9:11 pm عدل 3 مرات
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين