تقاطعت مع مختلف القفزات النوعية في التراث العالمي
الثقافة العربية بين النخبة والجمهور
أليس غريباً أن “يحدث” كل هذا الشعر العربي الذي يقترب من قرنه السادس عشر وبجانبه كل هذا السرد الفني، ولا يسجل مفاجأة واحدة تنسب إليه من العيار الثقيل؟
ألا يخشى المثقف العربي ضياع رصيده، وهو بكل الأحوال نفر متفرق أطلق عليه استحياء مسمى “جمهور” يعيش حالة يأس وارتباك وخجل واضحة، ولا يتبرم من تسارع دورة الحياة من حواليه؟
قد يقول قائل إن الفعل الثقافي فعل متراكم، وهذا يصح حين تكون عدة الثقافة جاهزة للدفاع عن منجزها في أوساط الطلبة والمتعلمين والمهنيين والحرفيين ومرتادي الإنترنت والفلاحين والتجار وأرباب الصناعة وغيرهم .
أما واقع الحال فيؤكد نشوء حالة صراعية في الاستحواذ على المنجز الثقافي، وتحويله من فعل خارق في نسيج العامة إلى احتكاره في السياسة، كما هو حال الاقتصاد، والفن، والرياضة، وكل أنواع النشاط الاجتماعي التي باتت قوة بلا أثر مادي وتصلح لترجمة الأفكار المتعددة إلى معرفة، أو تنهض بمنتجها ومتلقيها على حد سواء، نحو فضاء الممارسة الواقعية والمدنية والجمالية، وتحول دون تحويل هذه الثقافة إلى حالة هشة، قابلة للتسرب أو الرشوح عند أول منعطف يختبر رصيدها بين الناس .
ورد عن “تشارلز ديكنز” قوله في جمع غفير في إحدى قاعات مدينة برمنغهام البريطانية “إن الشعب حرر الأدب من الأسر” كما ورد عن الفرنسي ميشيل فوكو، وهو أحد أشهر ناقدي فلسفة التنوير الأوروبي، دفاعه المستميت عن الثقافة، والبحث عن الحقيقة في كافة الحقول المعرفية من أدناها مرتبة في سلم التطور البشري إلى أكثرها وضوحاً في ما يرسم العلاقة بين الفرد ومحيطه الاجتماعي والنفسي .
والثقافة العربية الحديثة بوصفها ثقافة منفتحة على العالم، تقاطعت مع كل أشكال القفزات النوعية الحاصلة في الثقافة العالمية عبر ثنائية “الرفض والإستجابة” على أن تماهيها مع الشكل الخارجي للثقافة حال دون تبنيها مشاريع فكرية راسخة تعاين انعكاس هذه الثقافة في “الوسيط” المتلقي، وهو الجمهور، فأصبحت تقوم على “ردة الفعل” أكثر من كونها راصدة لهواجس ومعاناة الإنسان العربي، وكانت مجرد صدى سلبي لما سبق أن مرت به الثقافة الغربية في مراحل تطورها المختلفة، منذ ما يزيد على خمسة قرون، ليس ابتداء بمحاكم التفتيش في أوروبا، (وكلنا قرأ عن إنشاء مكتب خاص في روما هدف إلى منع المسيحيين من قراءة الكتب التي اعتبرت ضارة بالعقول أو خطرا على العقيدة)، “ألغي هذا المكتب عام 1965” . . هذه المحاكم دخلت في صراع شرس مع مختلف القوى الفاعلة في المجتمع المدني، عبر أشكال متعددة من التحديات سواء السياسية أو المجتمعية أو الدينية وغيرها، ليس انتهاء بتبلور مفاهيم الحداثة وما بعدها، ونشوء ما يعرف بالمدارس الفنية والأدبية، فحين ظهر مصطلح “النخبة” في الغرب، وجدنا له ما يناظره في الصالونات الثقافية العربية، وحين تطورت الفنون التشكيلية المعاصرة كأحد تفرعات الثقافة الجمالية (على سبيل المثال) وتعددت أشكالها، لتصبح منتشرة في أروقة الجاليريات والمتاحف الكبرى في العالم المتقدم، وتقترب من كونها فناً يليق بالبرجوازية، التقطنا في عالمنا العربي هذا التحول الكبير في الفن، من دون أن يتسنى لنا ترتيب مقدمات تحولنا الاجتماعي والديموقراطي، فقفزنا إلى العالمية، لترجمة انعكاسات الثقافة والتمدن على نفسها، وأن يكون لها نصيب من مقصورة المعرفة التي توافرت لرموز الأدب والرواية والقصة والفنون التشكيلية والمسرح والسينما في كافة أرجاء الأرض .
أن ينادي “تشارلز ديكنز” بثقافة الشعب وأن يطرح كبار الكتّاب والمفكرين في العالم بساط الثقافة على أجندة البحث لتمكين الناس من اكتساب جرعات معقولة من الوعي، هو ما تحتاجه الثقافة العربية، التي أصبحت الآن (وهذه ليست مجرد وجهة نظر) تعيش أقسى درجات ركودها، وباتت عاجزة عن ترميم ما تبقى من كيانها الهش، ذلك أنها ثقافة بلا “وسيط” ولا منتج مغايراً ينافس في سوق تداول المعرفة، وهي أبسط حقوق الكائن البشري، الذي أصبح نهباً للجشع و”حرثاً” لكل آلات الدمار التي تفيض وتفيض ولا ترعوي؟
ماذا أعد المثقف العربي لغده المشرق؟ هل هو اليقين، أم التمني الذي يرزح في غلالة رمادية من سوء العيش وارتباك المعنى الذي تتقاذفه سلسلة من الموجات الصادمة، فلا تبين سوى عن أجنحة متكسرة ونثار من غبار وطمي وأسئلة فاغرة في فضاء الدلالة والرمز .
الثقافة العربية بين النخبة والجمهور
أليس غريباً أن “يحدث” كل هذا الشعر العربي الذي يقترب من قرنه السادس عشر وبجانبه كل هذا السرد الفني، ولا يسجل مفاجأة واحدة تنسب إليه من العيار الثقيل؟
ألا يخشى المثقف العربي ضياع رصيده، وهو بكل الأحوال نفر متفرق أطلق عليه استحياء مسمى “جمهور” يعيش حالة يأس وارتباك وخجل واضحة، ولا يتبرم من تسارع دورة الحياة من حواليه؟
قد يقول قائل إن الفعل الثقافي فعل متراكم، وهذا يصح حين تكون عدة الثقافة جاهزة للدفاع عن منجزها في أوساط الطلبة والمتعلمين والمهنيين والحرفيين ومرتادي الإنترنت والفلاحين والتجار وأرباب الصناعة وغيرهم .
أما واقع الحال فيؤكد نشوء حالة صراعية في الاستحواذ على المنجز الثقافي، وتحويله من فعل خارق في نسيج العامة إلى احتكاره في السياسة، كما هو حال الاقتصاد، والفن، والرياضة، وكل أنواع النشاط الاجتماعي التي باتت قوة بلا أثر مادي وتصلح لترجمة الأفكار المتعددة إلى معرفة، أو تنهض بمنتجها ومتلقيها على حد سواء، نحو فضاء الممارسة الواقعية والمدنية والجمالية، وتحول دون تحويل هذه الثقافة إلى حالة هشة، قابلة للتسرب أو الرشوح عند أول منعطف يختبر رصيدها بين الناس .
ورد عن “تشارلز ديكنز” قوله في جمع غفير في إحدى قاعات مدينة برمنغهام البريطانية “إن الشعب حرر الأدب من الأسر” كما ورد عن الفرنسي ميشيل فوكو، وهو أحد أشهر ناقدي فلسفة التنوير الأوروبي، دفاعه المستميت عن الثقافة، والبحث عن الحقيقة في كافة الحقول المعرفية من أدناها مرتبة في سلم التطور البشري إلى أكثرها وضوحاً في ما يرسم العلاقة بين الفرد ومحيطه الاجتماعي والنفسي .
والثقافة العربية الحديثة بوصفها ثقافة منفتحة على العالم، تقاطعت مع كل أشكال القفزات النوعية الحاصلة في الثقافة العالمية عبر ثنائية “الرفض والإستجابة” على أن تماهيها مع الشكل الخارجي للثقافة حال دون تبنيها مشاريع فكرية راسخة تعاين انعكاس هذه الثقافة في “الوسيط” المتلقي، وهو الجمهور، فأصبحت تقوم على “ردة الفعل” أكثر من كونها راصدة لهواجس ومعاناة الإنسان العربي، وكانت مجرد صدى سلبي لما سبق أن مرت به الثقافة الغربية في مراحل تطورها المختلفة، منذ ما يزيد على خمسة قرون، ليس ابتداء بمحاكم التفتيش في أوروبا، (وكلنا قرأ عن إنشاء مكتب خاص في روما هدف إلى منع المسيحيين من قراءة الكتب التي اعتبرت ضارة بالعقول أو خطرا على العقيدة)، “ألغي هذا المكتب عام 1965” . . هذه المحاكم دخلت في صراع شرس مع مختلف القوى الفاعلة في المجتمع المدني، عبر أشكال متعددة من التحديات سواء السياسية أو المجتمعية أو الدينية وغيرها، ليس انتهاء بتبلور مفاهيم الحداثة وما بعدها، ونشوء ما يعرف بالمدارس الفنية والأدبية، فحين ظهر مصطلح “النخبة” في الغرب، وجدنا له ما يناظره في الصالونات الثقافية العربية، وحين تطورت الفنون التشكيلية المعاصرة كأحد تفرعات الثقافة الجمالية (على سبيل المثال) وتعددت أشكالها، لتصبح منتشرة في أروقة الجاليريات والمتاحف الكبرى في العالم المتقدم، وتقترب من كونها فناً يليق بالبرجوازية، التقطنا في عالمنا العربي هذا التحول الكبير في الفن، من دون أن يتسنى لنا ترتيب مقدمات تحولنا الاجتماعي والديموقراطي، فقفزنا إلى العالمية، لترجمة انعكاسات الثقافة والتمدن على نفسها، وأن يكون لها نصيب من مقصورة المعرفة التي توافرت لرموز الأدب والرواية والقصة والفنون التشكيلية والمسرح والسينما في كافة أرجاء الأرض .
أن ينادي “تشارلز ديكنز” بثقافة الشعب وأن يطرح كبار الكتّاب والمفكرين في العالم بساط الثقافة على أجندة البحث لتمكين الناس من اكتساب جرعات معقولة من الوعي، هو ما تحتاجه الثقافة العربية، التي أصبحت الآن (وهذه ليست مجرد وجهة نظر) تعيش أقسى درجات ركودها، وباتت عاجزة عن ترميم ما تبقى من كيانها الهش، ذلك أنها ثقافة بلا “وسيط” ولا منتج مغايراً ينافس في سوق تداول المعرفة، وهي أبسط حقوق الكائن البشري، الذي أصبح نهباً للجشع و”حرثاً” لكل آلات الدمار التي تفيض وتفيض ولا ترعوي؟
ماذا أعد المثقف العربي لغده المشرق؟ هل هو اليقين، أم التمني الذي يرزح في غلالة رمادية من سوء العيش وارتباك المعنى الذي تتقاذفه سلسلة من الموجات الصادمة، فلا تبين سوى عن أجنحة متكسرة ونثار من غبار وطمي وأسئلة فاغرة في فضاء الدلالة والرمز .
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين