تبدأ الحكاية في أحد شوارع بيروت في منطقة (المدينة الرياضية ) حين توقفت بجانبي سيارة مارسيدس ونادى سائقها باسمي , لاتبين انه قريب لي يعمل على خط دمشق بيروت , قال لي انني ابحث عنك ولا اعرف كيف اجدك,الحمدلله انني صادفتك هنا .
يكمل دون أن يدع لي فرصة للكلام ,لقد استدعاني والدك وذهبت لرؤيته امس ,وهو ليس بخير,وطلب مني بإلحاح أن أحضرك معي وكرر ذلك علي مرارا واعتبر الأمر امانة في عنقي .
فقلت له حسنا سأذهب معك .
قال لي انا سأذهب في الغد إذا كنت تستطيع ان تجهز نفسك.
قلت له حسنا ساكون جاهزا
لم أكمل حينها الثامنة عشرة من عمري وكنا نعيش ظروفا استثنائية في العام 1975 حيث بدأت الحرب الأهلية تعيق حركة الحياة وكانت لدينا امور كثيرة معلقة وتحتاج إلى وقت لإنجازها , لكن مهما كانت الخسارة ومهما كان الضرر لم يعد لاي شيء قيمة عندي
المهم أن ارى والدي .
,ذهبت إلى أخي الأكبر وأخبرته بالأمر وكان الجميع في هذه الاثناء يعد نفسه للرحيل وكان اخي قد عزم على العودة ولكن كان لديه التزامات كثيرة واسرة ولا يستطيع ان يتحرك أو يتخذ قرارا سريعا مثلي .
طلب مني التريث اسبوعا واحدا ونذهب معا .
رفضت ذلك وقلت له سأسافر غدا , مما اثار غضبه مني ,,فودعني بفتور بعد ان لمس اصراري على السفر.
وصلت إلى قريتي , وبدأت عيوني تستعيد الدفء من حجارة البيوت القديمة إلى ان وصلت الى بيتنا القديم المنزوي وسط أوابد رومانية اكل الدهر عليها وشرب .
عانقتني امي بكل ما تختزن الأم من عاطفة على ولد بعيد . وقد تكون قد خبأت بعض الحنين والشجن لتقودني إلى ابي الملقى على فراشه في البيت الحجري ,وتقول له مهللة,أبشر لقد عاد الغائب يا ابا سعيد .
كان الوالد قد دخل عمره التسعيني بشيخوخته المهيبة وقوامه الرشيق على الرغم من تقدمه بالعمر لكن الجلطة الدماغية التي اصابته قد اعاقت بعض الحواس والأطراف عنده بشكل نصفي ,كدت اختنق من ذراعه التي ضمتني بكل هذه القوة .
ثم فتح عينه بيده لكي يراني وقال لي همسا , يا حبيب عمري حمدا لله على رؤيتك .
كانت هذه آخر جملة سمعته من والدي ,وقد حبست دمعتي وأنا انظر إلى هذا الجسدالذي طوى جيلا من الجسارة والكفاح والمعاناة.
قضيت تلك الليلة في الديار مع الاهل واخبرتني والدتي أن حالة والدي هكذا منذ اسبوع وكانت مستقرة على هذا النحو.
في اليوم التالي بعيد المغيب بحوالي ساعة اصابني مايشبه النعاس بدون اي مبرر ,وأنا بطبيعتي لا أحب النوم ولا اطيعه في النهار وأذهب إلى النوم متاخرا ليلا ,لكن في هذا الوقت اصابني نعاس لم اأستطيع مقاومته مع العلم ان لدينا بعض الزوار .
ذهبت إلى المضافة واتكأت على جانب من مساندها وغفيت ,لا ادري كم من الوقت, لكن لمدة لا تتجاوز الخمسة عشر دقيقة .
استيقظت على صوت بكاء خافت وصل إلى مسامعي من البيت الذي فيه والدي .
نهضت وبقيت جالسا بعض الوقت وقد دخل علي أحدالاقارب قائلا عد إلى النوم لماذا استيقظت؟,قلت له بهدوء كيف انام وقد توفي والدي !,لم يعد يعرف الرجل ماذا يقول وكان يحاول ان يفعل شيء ,لكن هدوئي وردة فعلي اربكته .
نهضت وأنا اشعر ببعض السكينةمتجهانحوباب ( المضافة ) المطل على جهة الشرق لأجد نفسي محدقا بذاك القرص المكتمل بعلوه المنخفض واستدارته الكبيرة التي لم اراها من قبل بهذا العمق وبكل هذا الجمال .
أنا اعرف جيدا هذاالشعورالذي اصابني في تلك اللحظات ومازال هذا الشعور يرافقني حتى الآن في كل مرة انظرفيها إلى القمر .
كان شعورا غارقا بشي اكبر من الحزن , سكينة وصفاء تأبى ان يخدشها شيء من النشيج ,حالة من السلام غمرتني حتى قرارة روحي وانا أنظر الى القمر بصمت وكأنماأودعته سري ,قد يكون من حولي قد استهجن أو استغرب موقفي ,لكنني بقيت هكذا إلى ان شعرت أنني افرغت تلاوة حزني إلى القمر .
وبعد ذلك عشت الطقوس التي تسود في مثل هذا الحدث الجلل مع اسرتي .
مضى على ذلك حوالي 36 عاما ولم يحصل مرة واحدة ان أرى فيها القمر هلالا أوبدرا دون أن اتذكر والدي وابتهج ,اقول ذلك بمنتهى الصدق وبالمناسبة لقد رأيته منذ قليل وهذا مادفعني ان الكتابة , هل هناك غرابة في هذه القصة ؟.لا أدري , ولكن الغريب فعلاأن يكون إسم والدي ( هلال) وأذكر استاذنا الرائع في الصف الخامس كان حين يأخذ التفقد يسألني ماسم والدك؟ وطبعا هو يعرف جيدا اسم والدي فاجيبه ,هلال ! فيقول ضاحكا متى سيكتمل ليصبح بدرا؟.
اليوم اصبح لدي الجواب ولو قدّر لي والتقيت باستاذي ,ساقول له لقد اكتمل الهلال واصبح بدرا يا استاذ .
ميلانو 09/11/2011
تيسير هلال نصرالدين
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين