دخل بيتي ، هذا الصديق الذي نستوحي منه القوة والنخوة والإرادة ، ماشاء الله عليه ، طول وعرض وصوت وقور ، سلّم علي ثم جلس نصف مستلقٍ على الفراش ، يداه على صدغيه ، بالكاد يتنفس .
_ كيفك ؟؟
* هز رأسه .
خففت ، بل تحايدت الأسئلة المباشرة عن حاله تلك اللحظة ، ثم وضعت أغنية ( يللا سوى ، للربيع نقطف أزاهيره ، للقمر نخطر على نوره .... دي الطيور صادحة تناغينا ... ) علني أحرض بقلبه فرحاً ما أو حزنا يجب إطلاق سراح آهته .
تركته دقائق ثم قلت :
_ الدنيا بخير ، الدنيا بخير ، ما بك ؟؟ نصفك هنا ونصفك بعيد .
وضع كفيه مثل كمامة على أنفه وفمه وأغمض عينيه بألم وتكلم كلمات متقطعة .
باشرته :
_ في بحنجرتك ما يجرّح صوتك ، يا رجل ، أول الدنيا بكرة .
تنفس كأنه يتوعد لشيء ونظر إلي بحنق وقال :
* تقول أن الدنيا بخير ؟؟ وتغني معه ؟؟ الطيور صادحة تناغينا .. ثم نظر جانباً معلناً عدم موافقته على ما قلته .
_ طبعا ً ، ونصف الألف خمس مائة . ثم قلت بنفسي ( الله يستر ) .
بمأتم والده قبل عام ، لم أره بهذا الانكسار ، عله خير .
قال بانفعال وصوت متحشرج حانق مفعم بالكيد :
- لما لا تصدح الأطفال دائما مثل طيورك ؟؟ لما النغصة موجودة متربصة بهم ؟؟
_ دخيلك أنا ، إذا عندك شيء من هذا الصوب ، إعفني ، فكّني ، ( كول هوى ) .
- رأيته ، عمره 4 سنوات ، ابن خادمة التنظيف بمدينة الملاهي ، كل الأطفال يلعبون ، هو هاااااا ....
( أسكتته غصة ثقيلة كتمت أنفاسه ) . قاطعتُه :
_ قلت لك كوووووول هوى ، أسكت ، أسكت يا لوح ....
بي رغبة لأعرف الخبر و بي توسل ألا أعرف . ثم تابع :
* هارب لخلف الحمامات يبكي ، استفسرت ،عرفت السبب ، فقير وليس معه ثمن تذكرة ليلعب ، وفوق هذا جائع .
_ الله عليك ، الله عليك يا صاحبي ، ليتني ما رأيتك ، شو جابك لعندي إسا يا ... لتتحفني بهذا وأنت أدرى الناس بي ؟ ؟
- أحسست بأني نمر ، سأفترس شيء ما ، قالت لي أمه بأنها لا تريده أن يرى هذه الألعاب لكنه لم يرض أن يبقى بالبيت .
قلت له :
_ النمر المفترس الذي تتشبه به ، تكون لقمته مبللة بالدم ، ليس بالدمع ، لا تبكي إسا ، تضرب بهالكسم ، تعال دلني عليه .
وذهبنا
قلت له بالطريق :
_ الأرنب المسالم يسرح لا له ولا عليه ، الحية ذاهبة تصطاد بكل خبث فقط لتحيا هي ، يحوم فوقها نسر قد ترك زغاليله جائعة ، يواجه الموت المحتم بكل شجاعة حين يناور تلك الحية كي تكون وليمة لزغاليله .
فأيهما تختار أن تكون ؟؟
وتابعنا مشوارنا
*********************************************************************
آه لو بيدي
أن أجتث اللوعة عن آخرها من هذا الكون .
آه لو بيدي
أن أحمي قلوب الأطفال من كل ألم ولوعة وحرمان .
آه لو بيدي
دائما حين أرى الأمهات الفقيرات القادمات من دول فقيرة ، تبرحت قلوبهن بوداع أطفالهن ، قدمن لدول الخليج واصطففن بخط طويييييل ينتظرن ختم الدخول ليعملن كخادمات ، تبرحت قلوبهن وقلوب أطفالهن بالوداع ، وستهان كرامتهن هنا بالخدمة طيلة اليوم ، وكلما حاولن استرداد شيء من حقهن الإنساني ، يشخص طفلهن الجائع أمام عيونهن ، الطفل الذي ينتظر لعبة ، الذي ينتظر أمه البعيدة عنه ، الذي تشبث بثوبها حين ودعته وركض خلفها يبكي ،، ماما ،، ماما ، الطفل المتلذذ لرائحة اللحم المشوي من عند الجيران ، المتلوّي ألماً ريثما يأتي ثمن الدواء ... العمى بعيون هالدنيا المنحطة .. تفووو,, على هالدنيا القحبة .
آآآآآآآه لو بيدي
اجتثاث الفقر اللعين عن بكرته من هذا الكون ، ليتني قربان لهذا الفقر ، يأكلني ويذهب إلى اللارجعة . إبن الحرام ، ليتني أقابله يوما وجهاً لوجه .
آآآآآآه لو بيدي
أن ألبي كل طفل عيونه سارحة متمنية متنغصة على تلك اللعبة ، أو فمه المتشهي تلك الحلوى ... وهل هناك أقسى وأبشع وأشد ألماً على الأشجان من رؤية الحرمان واللوعة على وجه الأطفال ؟؟؟
آه لو بيدي
أن أكفكف دموع الثكالى والأيتام والمتشظية قلوبهن وقلوبهم على فقد أو وداع عضيد أو حبيب أو معيل .
لا أدري إن كان بهذا القلم حبر أم دموع .
آآه لو بيدي
جعل كل مصانع الأسلحة مصانع نايات وأعواد تنسج أعذب الألحان ..
جعل كل مفاعل نووي ، مصنع ألعاب للأطفال ، تنشر البهجة والضحكة على وجوههم للأبد يزقزقون فرحين أينما اتجهوا ... وهل هناك أعذب وأرق وألذ من سماع زقزقة ضحكات الأطفال ؟؟؟؟
جعل البتناغون فاتيكان ثان أو أزهر ثان
جعل كل غرف العمليات الحربية مسارح
جعل معسكرات التدريب العسكري مدن ملاهي للأطفال .
..........
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين