في قاع الحاجة
كانت أصعب الأعمال التي اشتغلت بها هي تصنيف ونقل التفاح
أصعب من حفر الجدران لتمديد الكهرباء ، ومن نجارة الباطون ، ومن صب الباطون ، ومن تعزيل الأراضي الزراعية ..... ومن ،، ومن .
الحاجة تخنق كل شيء ، تسد أنف وثغر كل شيء .
مر صاحب الأعمال ، تاجر تفاح علي ، قبل الفجر ، صعدت بالمقطورة ، ذهبنا شرقاً ، لظهر الجبل .
الوقت شجي ، المنظر شجي ، الهواء شجي ، الندى شجي ، الأشجار كحسناوات ترقص باليه ..... و أشجاني كثير وكبيرة
لكن ، حينها ، كان كل ذلك الجمال لا يناسبني ، فشعوري غير مؤهل لرؤية الجمال ، ولا مؤهل للغوص بالأشجان .
حرام أن تهاجمني تلك الأشجان ، فأنا أعزل ، أنا بأشد النهم لها ، لكن بوقت آخر ، فحرام أن تأتي صوبي الآن .
لكنها أتت على حزين وقع في سلة تين .
كل الفلاحين بظهر الجبل وجوههم مضاءة بالبهجة
الشجر مضاء بالبهجة ، فالتفاح عليها معلق كالمصابيح
وقت الجني والبيع والربح لجهد العام كله
لا تخلو أرض من أصحابها الفرحين بالموسم
يفتحون أيديهم لنا حين نُقبل نحوهم ، فنحن من سيشتري ، وهم الفرحين بما لديهم .
هذا سيزوج ابنه بما يأخذه من سعر الضمان ، وهذا سيشتري أرض ثانية ، وهذا سيسافر سياحة لباريز ( باريس ) مربط خيلنا ، وهذا .. وهذا ....
كلهم تغمرهم البهجة .
لكن ذلك الفايروس ، فايروس البهجة ، لم يصبني ، كانت أشجاني تحمل بأوردتها مضاد فعّال له ، مضاد يفتك بالبهجة ، مصل متقن الصنع واقعي يقاوم كل سرور .
فطريق البهجة محضور علي .
الفقر لا يناسبني أبداً
فالحرب مشتعلة بين عزتي وحاجتي ،
أنا لا أريد شيئاً
لكن قلبها الصغير يريد مني أشياء كبيرة . يثق بي ثقة عمياء ، ويتبع كل توقعاتي وكأنها منزهة عن الخطأ .
صغيرة هي ، بريئة ، رائعة ، طاهرة كشمس الفجر
حاجتي هي ألا تشتعل النار بين عزتها وحاجتها
وأتمنى ألا تعي ذلك .
كانت نائمة بالبيت تحلم أحلام صغيرة بحجم قلبها
إنها من لحمي ودمي ، بل هي قلبي كله
أكبُرُها بخمسة أعوام ، خلفتني أمي قبل أن تخلفها بخمسة أعوام
بقعر الانحدار ، تزوجَت الصغيرة
هذا المسار الذي أخذها للأبد ، لم أدرك صحته من خطئه
أنا أيضاً كنت صغير على تلك القرارات . لكنهم حملوني إياها ، لأنهم كانوا يتقاسمون ثلاثة صفات ( أغبياء مغفلون ، الوصولية ، الانحطاط ) ، مغفلون وهذا يكفي .
ذهبَت مع زوجها العريس لدمشق ، بعد بكرة ستأتي ، لكن لم تعد بعد بكرة ، ولا بعده ن ولا بعد بعده ، أسبوع وبعده .. لأول مرة أفصحت عن ألمي وحبي وشوقي وعواطفي ، فليس من عادتي الإفصاح عن عواطفي .
لأول مرة شدني الخمر إليه بغير هدى ، لا أعرف كنه ارتباطي به حينها ، وبشكل مفاجئ .
قال لي صديقي إدمون : لأول مرة أرى من يثير شهيتي للشرب حين رأيت شفتيك تقترب من أول كأس ، أنت تشرب بنهم وشهية وعطش . تثير شهيتي .
قلت له : يا صديقي ، حين تعود صغيرتي ، سأقبل قدميها ، فأنا غير مؤهل للبعد عنها ، قالوا : (يومين وتعود ) ، لكنها غابت كثيراً من دون إنذار ، من دون أن تؤهلني للبعد عنها ،،،، وحين تعود سأقبل قدميها .
حين أملك أي شيء ، تجارة أو صناعة أو عمل أو ..... سأسمي كل ما أملك باسمها .
محل الهويدة للكاسيت .... تسجيلات الهويدة .... صوت الهويدة للطرب ... استوديو الهويدة ... نهر الهويدة الخالد للأغاني ... دكان الهويدة للألحان ...
كانت أمنيتي أن أمتلك محل للتسجيلات ، كاسيتات وموسيقى ، أو ما شابه .
حتى لو أنا تزوجت سأسمي ابني الأول والثاني والثالث هويدة ، وابنتي الأولى والثانية والثالثة هويدة .
لن يشفي غليلي وغليل تعلقي بصغيرتي كل الدنيا . لن يشفي غليلي شيء ، كل ثلوج الدنيا لا تطفئ توتري اللاهب المبطن تحت رماد رؤيتي آنذاك . كأنني بلحظة انتظار نتيجة التفريط بعمرها أو التحليق لفوق .
لكن يدي قصيرة ، عاجزة ، فقير الحال ، قليل الحيلة . وكل من حولي مغفلون ، وهذا يكفي .
ربما هذا ما أغشى عيني وصوابي عن الرؤية . فحين وجدت بمن طلبها للزواج أنه يملك شيئاً أفقده ، كان لي ثلثي الخاطر بأن يأخذها عروسة . يحقق لها ما لا أقدر عليه ،،، وهي تحت ناظري .
وثلثي ذاك الخاطر ، زرعهما أمه وأبيه وبعض عظام رقبتي المترققة والهشة برأسي الصغير المغرور .
الثلثان كانا كفيلين بأن يقنعاها بالقبول به .
بين البساتين ، أنا وتاجر التفاح ، وشريكه .
ذاك الفايروس لم يعدني
بهجة أصحاب الدونمات بظهر الجبل لم تخترق أوصالي
وفوق هذا ، كنت عاشق ، ووجه حبيبتي ينكأ قلبي
وزواج الصغيرة يشغل بالي ، كأنني قامرت بأختي بين موت وحياة . وأنتظر النتائج .
وعزتي لنفسي تجبرني على القبول بما لا يطاق
استقبلنا صاحب الأرض الممتدة على مدى البصر ، قبل استفحال الضوء .
كان رجل دمث ، مثقف ، حديثه ذو شجون ودفء ، بيته الجبلي له طلّة ساحرة ، زوجته رائعة الحوار . أرضه مفعمة بالخضرة ، أشجاره تلمع بتفاح كالمصابيح ..... آآآآآه .
قدم لنا قهوة ولا أطيب ، أشعلتُ سيجارة وما كان أطيب منها .
أدار الراديو ، سمعت ( بروحي تلك الأرض ، ما أطيب الربى ، وما أحسن المصطاف والمتربعا ... )
ارتخت أوصالي ، فكيف بحالي حين يبدأ وديع الصافي يقول ( وليست عشيات الحمى برواجع إليك، ولكن خلِّ عينيك تدمع .. كأنا خلقنا للنوى ، وكأنما حرام على الأيام أن نتجمع ) ؟؟ لكنه بدأ ، كان وديع لئيم في إحساسه منقطع النظير ، وصوته ال...... لئيم ، إيه نعم ، فأنا غير كفء الآن ، أنا غير مؤهل لهكذا إحساس ، تخدّرتُ ، سكرت ، بكيت ، ضحكت ، حلت روحي ، ،،، لا أدري ماذا حل بي .
لكن حديث المفاوضة والمقايضة كان ينكأ كل ذلك الرحيل الذي احتل كياني . فللمال والتجارة صوت مسموع أكثر من صوت وديع وفيروز ، وأكثر من صوت الرحيل الداخلي بي .
وقايضتهم أقوى من مقايضتي مع ضميري المنهك ، يكاد يقتلني .
وجهها كان كاللعبة ، تبكي في حيرة ، لا تعرف ماذا قررنا لها ، ونحن لا ندري .
إنزلوا وباشروا بقطف التفاح .. تصنيفه .. تحميله .. ترحيله للبراد ...
وليد غالب بلان
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين