سنية صآلح
آسمحو لي فعلآ آن نلقي آلضوء على تللكَ آللوحة آلشعرية آلمرسومة بعنآية فآئقة
تآبعوني ..
سنية صالح كاتبة وشاعرة سورية ، ولدت في مدينة مصياف في محافظة حماة عام 1935 .وهي زوجة الاديب السوري محمد الماغوط التقت به في بيت الشاعر السوري أدونيس في بيروت في الفترة التي قضاها الماغوط هناك في أواخر الخمسينيات، وتزوجته عندما كانت طالبة في كلية الآداب في جامعة دمشق في الستينات و أنجبت منه ابنتين هما شام و سلافة ، لها عدة دواوين شعرية، توفيت سنية صالح عام 1958 في مستشفى في ضواحي باريس بعد صراع مع المرض استمر 10 شهور.
أعمالها
حبر الإعدام (شعر) عن دار أجيال - بيروت (1970). قصائد (شعر) - عن دار العودة - بيروت 1980. ذكر الورد - (كتاب) الصادر عن دار رياض الريس للكتب والنشر- بيروت 1988. الغبار (قصص) عن مؤسسة فكر للابحاث والنشر بيروت 1982. جوائز فازت بها
بطآقة شخصية كآملة ... سنيّة صالح Sanieh Saleh (1935-1985) سنيّة صالح... حكاية «امرأة من الطباشير» إعادة اعتبار متأخرة الشاعرة الراحلة تستردّ أهدابها من صدأ العزلة وزرنيخ المنفى من يذكر سنيّة صالح، الــشاعرة الــمفردة الــتي صمتت قبل الأوان؟ صدور أعمالها الكاملة في دمشق، بتقديم من خالد سعيد، مناسبة لإعادة اكتشاف صاحبة «ذكر الورد» التي عاشت في ظل رفيق دربها محمد الماغوط، واتخذت من الشعر عزاءً وملاذاً «إنها شاعرة كبيرة، لم تأخذ حقها نقدياً. ربما أذاها اسمي، فقد طغى على حضورها. كانت شاعرة كبيرة في وطن صغير»، بهذه العبارة اختصر الشاعر الراحل محمد الماغوط، ذات يوم، تجربة رفيقة دربه سنيّة صالح (1935- 1985). كانت صاحبة «حبر الإعدام» شاعرة مفردة حقاً. لكنّ المعجم النقدي أهملها طويلاً في حياتها وغيابها، فهي «لا تنحدر من سلالة شعرية» أو تيار. كتبت ألمها الشخصي وذاتها الجريحة وأحلامها المنكسرة بصمت وعزلة وتمرد، على رغم أنها دخلت حقل الشعر كالإعصار، بعدما فازت قصيدتها «جسد السماء» بجائزة صحيفة «النهار» عام 1961. وكانت مفاجأة حقيقية للجنة تحكيم الجائزة آنذاك. صدور أعمالها الكاملة في دمشق (منشورات وزارة الثقافة)، حدث استثنائي يعيد بعض الحق الضائع إلى «آخر طفلة في العالم». قدمت للأعمال الكاملة شقيقتها الناقدة خالدة سعيد بدراسة شاملة رصدت خلالها المختبر الشعري الذي بلور تجربة سنيّة صالح. واعتبرت أنّ الألم الذي رافق شعرها هو ترجيع لانكسار الحلم وتصدع الصورة التكونية للعالم وقلق الإحساس بالذات والإحساس بارتجاج موقع الذات ومرتكزها وأفق حضورها. وكان الشعر هو الضوء السري الذي بقدر ما يكشف هول الصراع في التجربة، يقدم المعاني الخلاصية. ديوانها الأول «الزمان الضيق» (1964)، كان بياناً شعرياً لعبور النار واشتعال الجسد والعقل والمخيّلة بحمّى الكشف، كما لو أنّ الشعر هو حلم وحدس ومكاشفة غامضة لردم الآلام. وهو ما تشير إليه خالدة سعيد إذ تكتب: «هو شعر على حدة لا يشبه أحداً، وليس منضوياً في تيار. شعر لحزن متوحش ينبجس من الجوهر الأنثوي الخالق المطعون المسحوق عبر التاريخ. بقدر ما ينشد حكاية المغدورين، يتقدّم كصيحة للجسد الذي انتهى بين المباضع وأسرّة المشافي». هل كان شعر سنيّة صالح عصياً على المساطر النقدية، كي يُهمل ويُقصى بعيداً من تجربة الستينيين؟ قد يكون هذا سبباً جوهرياً. وقتها لم تكن الشاعرة في وارد الهتاف ودقّ النفير، بل ذهبت في اتجاه الذات ومكابداتها الشخصية، و«طلبت من الحب أن يكون ثأرها من العالم وحصانها السحري للنجاة». تذكر خالدة سعيد أنّ سنيّة كانت صامتة على الدوام في طفولتها، وتبيّن لاحقاً أنها كانت تكتب أحاسيسها على كراساتها المدرسية بوصفها مجرد «خربشة». وفي بيروت أواخر الخمسينيات، لفتت انتباهها في مجلة «شعر» أولاً قصيدة سان جون بيرس «ضيقة هي المراكب» التي ترجمها أدونيس، ما يعطي فكرة عن حساسيتها المختلفة عمّا كان يُكتب من شعر. وفي حوار مبكر معها إثر فوزها بجائزة جريدة «النهار»، قالت: «أنا أعجز أن أغيّر العالم أو أجمّله أو أهدمه أو أبنيه. أحسّ أنني كمن يتكلم في الحلم. ماذا يؤثر في العالم الكلام في الحلم؟». لم تكن القصيدة رصاصة إذاً، كما كان يتردد آنذاك، إنما تاريخ للطغيان وأرجوحة تتطاير بين الخارق الخرافي والمهمش والفاجع. تشير خالدة سعيد إلى «عالم معطوب ورؤيا جامحة وفوران سديم وأحشاء غاضبة وخيال طفولي. كان الشعر حربها وصراخ جسدها وروحها. كان ثأرها وخشبة الخلاص وفخ الأمل». لن يجد القارئ في شعر سنيّة صالح عناصر مألوفة ولغة منتهكة. سوف يفاجأ بمفردات صادمة لذائقته، وسيواجه عالماً معدنياً، وبراكين من زرنيخ، وضمادات وأسيد وبوتاسيوم و«قمر طويل للنفايات». في هذا المختبر، تنمو قصيدة سنية صالح كما لو أنها مشتل الخراب والهذيان. تتكشّف الفجائعية على نحو واضح في ديوانها الثاني «حبر الإعدام» (1970)، إذ لا زهور في شعرها ولا عطور ولا مشاهد لنزهة العين. الكلمة هنا، وفق ما تقول خالدة سعيد، «صرخة وجع لا تنتج الجمال والمتعة بل تفتح المداخل على التجربة. الكلمة هنا رسالة لتقليب الهويات فوق المشاهد الشاسعة لإنسانية مسحوقة، فهي تعمّر المشهد بالمفارقة كأنها تعد لفيلم سريالي». في المقدمة التي كتبتها لديوانها الأخير «ذكر الورد» (1988) الذي صدر بعد وفاتها، تكشف سنيّة صالح عن استراتيجيتها الشعرية: «عندما تحضر الحمّى الشعرية أخفف من حدة يقظتي، وأستسلم. ألغي مقاومتي لأعماقي إلى أقصى حد ممكن. تلي ذلك عملية تدفق داخلية، ترافقها عملية استسلام في الإرادة والحواس. ثم أدوّن ما أحصل عليه في مرحلة الهذيان هذه». هكذا تنهض القصيدة لديها على إضاءات حلمية، تقوى لحظة الانفجار الداخلي في مخاض عسير ومؤلم. تنسحب الشاعرة إلى أعماقها، إلى عالم سري غامض. قراءة «ذكر الورد» الذي كتبت قصائده بين باريس ودمشق خلال رحلة مرضها، تختزل العطب الذي عاشته سنية صالح بفقدان الأمل ونشوة الحب. في قصيدتها «امرأة من الطباشير»، تقول: «كيف يدخل الربيع والحب إلى جسد تحكمه الخسارة؟». الخسارة المعلنة سوف تكون محور قصائدها الأخيرة وأرشيفها في تدوين الألم: «أهدابي يتراكم عليها صدأ العزلة، وزرنيخ المنفى. أطلق سراحنا، فتحتَ لساني مصنّف مليءٌ بالإهانات، بذلّ يكفي لنسيان جميع الحريات». لم تتوقف سنيّة صالح عن كتابة الشعر حتى اللحظة الأخيرة. خلال العلاج الكيميائي أيضاً. الشعر كان عزاءها ووصيتها. تضيء «الأعمال الكاملة» جوانب من سيرتها وعالمها الخاص. نتعرف إلى نصوص غير منشورة، شعرية وقصصية، وبعض مذكراتها «سنيّة صالح، من أنت؟» التي في حوزة ابنتيها شام وسلافة، إضافة إلى حوار أجراه معها محمد الماغوط ونُشر في مجلة «مواقف» (1970) تحت عنوان «حين تكون الضحية أكثر إشعاعاً من النجوم». في تقديمه للحوار، يكتب محمد الماغوط بنوع من طلب الغفران والاعتراف: «في كل قصائدها تبدو زهرة عارية إلا من عطرها وعمرها القصير، تبحث وسط عري الكتب والأشخاص والأيام عن ربيع ما. ربيع ضائع قد لا يأتي أبداً. تبدو قصائدها وسط اللطخ الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تغطي العالم العربي بيضاء ناصعة كثياب الراهبات». هنا ترقد آخر طفلة في العالم لا ينكر محمد الماغوط حجم العسف الذي أحاق بحياة رفيقة دربه سنيّة صالح وتجربتها. لقد كانا على طرفي نقيض. حاولت سنيّة ترويض شراسة «البدوي الأحمر» من دون جدوى. حين فقدت الأمل من ذلك، خاطبته في إحدى قصائدها تقول: «إنك من الزرنيخ يا سيدي. أفتح فمي كل صباح وأبتلع جزءاً فيك ولم تنته». بعد رحيلها الفاجع، حاول الماغوط التكفير عن ذنوبه فرثاها بقصيدة طويلة بعنوان «سيّاف الزهور»، واعتبرها «يتيمة الدهر وكل الدهور». وكتب على شاهدة قبرها: «هنا ترقد الشاعرة سنية صالح، آخر طفلة في العالم». في مرثيته لها يقول: «ثلاثين سنة وهي تحملني كالجندي الجريح، ولم أستطع أن أحملها إلى قبرها بضع خطوات». وظل الماغوط إلى آخر حياته يهجس باسمها. فهذه العلاقة، كما قال، «أثمرت شعراً وأكداساً من الحزن والذكريات. هي حبي الوحيد، نقيض الإرهاب والكراهية، عاشت معي ظروفاً صعبة، لكنها ظلت على الدوام، أكبر من مدينة. إنها كون وكل النساء من بعدها نجوم تمر وتنطفئ، هي وحدها السماء. هي المرأة في كل ما أكتب. كانت كعروق الذهب في الأرض». ويعترف محمد الماغوط بأنه لم ينشر قصيدة من دون أن تقرأها سنيّة. وإن لم تعجبها، كان يمزقها على الفور. ولعل المقدمة التي كتبتها سنية صالح لأعمال الماغوط الشعرية تحت عنوان «طفولة بريئة وإرهاب مسن» هي من أعمق ما كُتب عن تجربته. إذ لامست جوهر موهبته بحس نقدي لاذع. أما أدونيس فقد قال عنها: «لا أبالغ إن قلت إنّ سنية صالح قد تكون أهم شاعرة عربية في السنوات الخمسين الأخيرة». مختارات من شعر سنية صالح الوحش في الروح لم يكن هناك من شهود كلها في المخيلة وحش متفوق ظهر فجأة في أحراش الروح، في أوطان الغانية وتحت مصابيحها الساهرة. قذف القصائد في الريح وجلد الأطفال على العتبات، ثمَّ اعتَلَى مِنَصّات الوطن، وأخذ يغني كالأبرياء. ها هو القلب ينفجر، والوحش يتمادى في أحضان الوطن، والوطن مكسور، ومطوي تحت الأجنحة العالية. وطني أسير خلف كمامات الإرهاب، عكر كنهر تخوضه الجياد. وطني يعوزه الماء والجنون، تعوزه الضغينة. كي يصير ذئباً ضارياً على الانكسارات. *** أخافتني ظلمة الهجر وبرودته، والحياة المتسخة داخل البيوت المكتظة العليلة والحمامات بلا ستائر أو مواقد والجلاد يدخل ويخرج كزوج وديع. الفجر العليل يركض على ضلفات النوافذ. لم يكن أكثر رقة من أماكن التعذيب. فجر مليء بالجري والقذف والتدافع والغبار. أنام في رحابه فتموت نقاوتي. لقد تداخلت السنون وانهزمت الطفولة. طبقة كثيفة من الحب موطن مقذوفة على بلاط المباغي، حيث الأفخاذ العارية خدم وبغايا، سافرات ومستترات.. والعيون المائلة تشنجت من الرغبة. كيف أتحدث عنها وأنا لا أجرؤ على النظر إليها؟ ولكن كم غَمَرتَها بالقبلات يا قلبي العليل: حملت عنها آلاماً قاسية أعطيتها روحي فوجدتها مبصوقة في الجحيم. *** هناك في الغرف الواطئة والمنسية، حيث تبدو جذور العالم سوداء، حيث ملاءات المسارح العتيقة، الملاءات الحمر الممزقة، شهدت جنون الحب، وتشهد الآن انهياره. *** أمي، أيتها القديسة، ارحميني. منذ أجيال وأنتِ تنامين في أعماقنا، تحلمين بالمعجزات... ومع كل مساء أسمع حشرجتك الدنيوية تختلط مع خطوات القدر المترهل، وهو يتهادى في الخارج وينتظرك بعقاله المرقط. *** تختبئين في قبور الأولياء لتطيلي فرارنا تتكاثرين، فنخرج من جسدك نساء ميتات. تطاردين سرباً من الملائكة كاشفة عن جراحك العميقة، فيلاحقك بائعو البخور بدخانهم العقيم. *** أراك هابطة سلالم الروح وأنت بلا حراك. تموتين ثم تبعثين فينا نساء فانيات. فلأتهاو كشراع لا أمل له بالإقلاع، يبقى الوحش في روحي يرفس ويضرب خبط عشواء، والمضخة الصدئة تستغيث: ما لهذا الدم يسيل؟! ونحن على الأسرَّة والأرائك وفي الأرحام، لم يعد السيِّد سيِّداً، ولا الحب حباً. ولاحت لي الحياة الساقطة المتدنية من بعيد مسرعة مسرعة كل شيء يدور فيها. من قذف بها إلى قلب تلك الغابة الهادئة؟ الأطفال يصرخون ويرتجفون كأن ريحاً عاتية صفعتهم. رياح كانون، تدفعها رياح الغانية. *** هُزَّني أيها الغضب. أنا شجرة الدهشة، وهذا خريفي. الحب والشعر يدعوانها لكي تكون غباراً. فصل الحب نعيش فصل الحب كالحشائش، نبحث عن أرض صغيرة وعن حلم صغير. وحين يأتي المساء ننهض كالضباب فوق الأعشاب نبحث عن أشعارنا وعن دموعنا الذابلة. إطْوِني كما تَطوي أوراق الشِّعر، كما تطوي الفراشات ذكرياتها من أجل سفر طويل. وارحلْ إلى قمم البحار حيث يكون الحُبُّ والبكاءُ مُقَدَّسَين. *** أبداًَ نحمل فوانيس الندم نبحث عن ذاكرة الطفولة. لسنا الجسد، ولسنا الجريمة المحمولة، ولا الرُّوحَ الإلهية. حيث تتعرى الأحلام ويستعر حوار الدم ارسم وجهي، وأرسو.. ... الليل نشيدٌ شجيٌ وليلة المحبين غابة مسحورة لنشهد لليل الصمت. وليكن ذلك عربون الجنون. لتكن أبواب الانفلات واسعة. واسعة أبواب الهرب فالزمان ضيق، وأضيق منه جسد المحبين. رامبو الألف وبودلير العشرون 1 كان الشعراء يفكرون في الثلوج على قمم كلمنجارو في الرياح على ضفاف البحيرات يحلمون بالأميرات النائمات مع قيثارتهن تحت أشجار الأضاليا أيها الشعراء يا سائسي أعمارنا النار الأولى تمنح من جديد لآليات العصر ومواقده، الكشف البدائي رامبو الألف وبودلير العشرون جميعهم يجرون في دمائنا ونهجم في اتجاهات العالم كلها جموعا تنهش وتفترس وتستعيد الجوع الخرافي . ***** 2 مساء الخير أيتها الحزينة وحدك في الليل ومتعددة في النهار تظهرين بشكلك الهندسي يغطيك ِ رماد الوحدة أرقبك من نافذة المنفى كي لا نفقد مجاذيفنا في الظلام أعود إلى عصورك الأولى: قلبي، شعري وأحلامي لا أجرؤ على عصيانها لقد شغّلت سنية صالح الحوار في قصائدها الأخيرة (شام أطلقي سراح الليل ــ العاصفة تأخذ من القلب ــ رماد الحضارات ــ هياج النار مع كارما..) ووالتْ الشاعرة تشغيل الأسطورة في القصيدة، كالعهد بقصيدة النثر وبالشعر الحديث بعامة ــ مثل دوشار أودوسارس: إله الشمس عند الأنباط، ومثل كارما: القدر في الديانات الهندية ــ ولكن سنية صالح، في هذا وفي سواه، تخففت من التعالي والتعقيد، ومضت إلي لغة أكبر عراء، وأقرب إلي لغة من تلاها في سبعينيات القرن الماضي في قصيدة النثر، لكأنها كانت جسراً بين جيلين، اشتهر اللاحق منهما بالشفوي واليومي في قصيدة النثر. وفي مآل تجربة سنية صالح تسطع علامات الطفولة والأمومة والجسد وأنسنة الطبيعة، في عالم (سريع ــ هشيم ــ يهذي ــ مضاء بنار الكلاب) وفي وطن ربما يكفي من صورته قولها: (أيها الوطن الصدئ، أنا قمرك الهش فاهرب كالورق الميت أيها الوطن المتآكل أنا الجسور التي بنيت من عظام أطفالك). فالشاعرة الأم تكتب لطفلتها شام : (أيتها اللؤلؤة نمتِ في جوفي عصوراً استمعتِ إلي ضجيج الأحشاء وهدير الدماء حجبتُكِ طويلاً.. طويلاً، ريثما ينهي التاريخ حزنه فيخرج واحدنا من جوف الآخر). ولأن القتامة مطبقة، توصي طفلتها: (ها هو حصانك الثلجي يطير مجنوناً بنار المستقبل لقد أفرغتُ في جوفكِ حمم الأيام لكن حذار كي لا يحتال عليك ذئب الأسطورة نامي في العراء حيث نار الحقيقة تضطرم). ولئن كانت الطبيعة تكثف حضورها في شعر سنية صالح:شتاءً وخريفاً وبحراً وريحاً وليلاً، فها هي الطفولة والطبيعة معاً في قصيدة (الجبل الحزين) ترسمان وحش المملكة البليد الهائل الذي يهز ذيله الصغير متوجعاً من لسع المطر والريح، وليس هذا الوحش سوي الجبل الذي مشي إذ تدفأ، فلجمه الأطفال: (لكن صبياً شقياً صاح: أغلقوا عينيه/ لقد أسكره العالم) فأنشدوا له، فعاد: (و عندما سجد لينام أنّ أنيناً قوياً كعواء الذئاب الضارية قرر الصغار أن يتركوه وشأنه فعادت الريح تلسع ظهره والمطر يخزه وعاد يهز ذيله الصغير ويبكي الحلم الذي أفلت منه). أما الجسد فمن مجالي حضوره العام أن يصير الشتاء أو الريح ثورة الأرواح التي لم تحظ بجسد (وتلك التظاهرة العريضة في العاصمة لمنحها حق تذوق الآلام الجسد وحده يمنحها تلك اللذة في الجسد تضع الروح بيوضها). ومن مجالي الحضور الجسدي العام ــ الخاص نقرأ: (وفي جسدي مدن أجهل الدخول إليها وأجهل الخروج منها يستوطنها أقوام سريون يجتازون مجاري العصارات والأحماض إلي الخيام السرية حيث يقررون شكل المستقبل). وكما تتأسس القتامة التي تلفح بالشاعرة في الخيبات العامة ــ متوّجةً بالحرب اللبنانية ــ تتأسس ها هنا: في الجسد والروح. وقد يضيء هذا أن تقول: (الخاسرة الأبدية) و(المواطنة الهيولي) في قصيدة (الأرق): (أنا وردة الطين المنتهية أنا الذاكرة التي تلسع وتختفي)، وأن تقول في قصيدة (الوحش في الروح): (أنا شجرة الدهشة وهذا خريفي". أما غاية ذلك فلعلها في قول سنية صالح: (يا أحواض القار يا قلبي القلب المتساقط تحت عصا الطغيان ضاع صوتي في صحراء الحرية أنا الهباء ولكنني ملكة الأسماك والأزقة أنا الهباء ولكن قلبي ملتقي الطرق الخرافية أنا الهباء ولكنني الأسلاك التي تأوي إليها الطيور المذعورة). ويتأكد ذلك من قول الشاعرة: (أمن الخوف في الحروب ودموع امرأة مهجورة، يتكون ذلك النهر العظيم الذي يقال له: الحياة؟ عندما يثقل الهم قلبي وأسير في طرقات الوطن أشعر كأني أعبره من المجاري فزمني يتناسل هناك). وها هنا، قد يكون من التعمّل أن يقال ببصيرة الشاعرة من يومها إلي حديث الإرهاب الدولي الصاخب بأمركته في يومنا وغدنا، ولكن ما الذي يمكن قوله إذ نقرأ في قصيدة (أسيرة الليل): (أفتح أعماقي للحرية، فيدخلها الإرهاب رافضاً رماحه المعادية يدخل الرئة والشرايين غازياً يقرر حركة الحياة فارضاً شروطه، مسلطاً رقابته، قاذفاً خلايا العمر بالمعونات الفاسدة ويأخذ القلب ما يكفي له من الخبز والطحين والعدل، دون أن يجرؤ علي المناقشة، فالرقباء كثر والثعالب شرسة الدم يتشرد أمام عتمات الإعلانات ملطخاً بالذل وأحلام واهية تطارد أثر الأمل)؟ وما الذي يمكن قوله أيضاً إذ نقرأ في قصيدة (الوحش في الروح): (وطني كسيرٌ خلف كمامات الإرهاب عكر كنهر تخوضه الجياد وطني يعوزه الماء والجنون، تعوزه الضغينة كي يصير ذئباً ضارياً علي الانكسارات)؟ إزاء ذلك أخذت الحماسة الشاعرة بعيداً في قصائد متواضعة وأومض الحب في تجربة شعرية تخففت من فخامة اللغة، ومن تعقيد الصورة، ومن بناء علاقات جديدة وبسيطة من العناصر ــ كرسم قصيدة (العاصفة تأخذ القلب) للشمس الكئيبة في دورانها اللامجدي، والتي يتفكك جسدها الأرجواني، فتتساقط أقراص لا نهائية من صلبها الملتهب، تتبعها طيور سوداء تعبر كالعاصفة ــ غير أن النهاية أسرعت، ليظل السؤال يدوم في قصيدة (رواد الحضارات) وفي القراءة، فمن يجيب سنية صالح اللائبة: (هل أنت الأنثى المنحسرة، الغارقة في طمي/ الحضارات، في ظلام ملفاتها؟). |
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين