ألحان تتجاوز ما عهدناه مما وُهِبَ للناس من موهبة السجية .
هي ألحان تكونت عبر تراكم زمني انسيابي ، سلس ، نغمة إثر نغمة ، بوقتها تماماً ، بدون أي حرفنة .
وهنا مربط خيل الكلام ( التراكم الزمني للإحساس المترادف على ما سبقه ، بدون تكلّف أو صناعة أو حرفنة ) تماماً مثل تكوّن الأحجار الكريمة التي يستحيل تقليدها صناعياً مهما كانت التكنولوجية متقدمة .
تمتاز تلك الألحان بروعة وعظمة البساطة والسهولة :
بسهولة منقطعة النظير نغميّاً .
تمتاز بإيقاع بسيط واحد ليس أكثر ، وبمقام موسيقي واحد بسيط في معظم الأحيان .
تمتاز بنبض يتطابق مع البيئة وشعبها ، ثم مع إقليم كامل ، ثم أكبر من ذلك .
ثم ، على مستوى العالم كله ، مهما تباعدت مراميه .
آآآه واحدة تجمع بين مواطن من الشرق مع مواطن من الغرب من الأرض ، بين الغني والفقير ، بين الشمالي والجنوبي ، وكل الشرائح ، لماذا ؟؟
الجواب بسيط وهو :
لأن نشأة الإنسان واحدة ، قياساً للعرق والأصل .
من هنا يقولون : كلما أغرقت بالمحلية ، كلما توغلت بالعالمية .
فتوغل الملحن بالمحلية ، هو توغّل بالزمن ، رحلة نحو النشأة ، رحلة نحو تأثيرات الزمن والبيئة على الإنسان الحي فيها .
الألحان الفلوكلورية ، كلما تعمقنا بها ، نجد أنها تدلنا على وحدة النشأة للبشر جميعاً .
فالقطعة الموسيقية الفولوكلورية ، حتى لو كانت قطعة خشب ، فمنها نعرف كيف كانت الشجرة التي قُدَّت منها تلك الخشبة .
العربي والتركي والفارسي ، والروسي ، والأوروبي ، والإفريقي ،،، يتجانسون في الآه والطرب عبر الألحان الفلوكلورية لجميعهم .
يختلف الأمر حين نذهب شرقاً :
الصين ، اليابان ، منغولية ، إندونيسية ، تايلاند .... فهم من عرق آخر وشديد التباين عن العرق الأول الذي ذكرته . ومن هنا تماماً ، نجد الفروق بين الأعراق .
لابد من إحساس العربي في اللحن الفلوكلوري الأوروبي مثلاً ، والعكس صحيح .
ولابد من إحساس الفارسي باللحن الفلوكلوري الفرنسي مثلاً ، والعكس صحيح .
وهكذا ..... كلهم في عجينة واحدة ضمن إطار اللحن الفلوكلوري ، وإن كانت نسبة الإحساس تتفاوت قياساً لمسافة النشأة التاريخية والجغرافية بين شعب وشعب ( النسبة التي تجمع المسافات التاريخية والجغرافية )، وتأخذ هذه النسبة بالإحساس تتناقص مع بعد النشأة العرقية ، إلى أن يضمحل الانسجام ويتبدد ، بسبب فارق العُرق ونشأته الأولى .
تلك الألحان هي كرسم بسيط لعين في وجه ، بها إيحاء ، تكاد أن تنطق ، وتعكس حالتك الإحساسية لحظة رؤيتك لها .
ف ، محمد عبد الوهاب أو بيتهوفن ، وكل من يشبه هؤلاء العتاولة ، يستطيع أن يلحن موسيقى وكأنه يرسم قصراً كله فسيفساء ونقوش وقناطر وحدائق وجواري وملك وووو .
هو قادر على شد ألباب الناس بلحن عالمي رائع كرسم ذاك القصر ، مرموق ، أنيق ، مرتّب ، جذّاب ، لا يتجاوز نبض العالم كله .
لكنه ربما ، أو على الأغلب ، يعجز عن تلحين موسيقى كأنها رسم عين بها ما يشد قلوب الناس لرسمها أكثر من رسم ذلك القصر .
وهذا يشبه الفرق بين قدرات الكيمياء مهما تطورت ، في أن تصنع حرير أو حجر كريم أو عسل صافي من جهة ، وقدرات الزمن التلقائية في تكوين الحجر الكريم أو دودة القز في صنع الحرير والنحل في صنع العسل ، من جهة أخرى .
ما هو كُنُه الطرب :
الطرب : مثل الحب ، أو الحياة ، أو الحرية . كُنُه عجيب ، ليس له شكل أو قوام أو ملمس .
ومن هذا الكنه الأثيري ، نعرف القدرة التي يمتلكها الملحّن في صياغة ما يطربنا ، نعرف قدرته في المسك بالأثير .
إنها قدرة تفوق قدرات الإنس العادية ، وتشبه قدرات الجن غير المرئية وغير الملموسة ، لكنها محسوسة .
إنها الملَكَة . إنها المَلَكَة ، إنها كقوة الجن ، إيه نعم ، لأنها تأتي للملحّن بغير سيطرته هو على نفسه ، إنها مثل فك الطلاسم .
هو الأكثر قرباً من ( غير المقصود ) كي يأتي به للمقصود ، هو الأكثر قرباً من ( اللاغائية ) ليأتي بها للغائية . لذا فهو يسكر أو يحشش كي يبتعد عن القصد والتقصّد أثناء التلحين ، يحاول أن يرفع ( ناسوتيته أو بشريته ) عن الأثير المنطلق منه .
بعكس الملحنين الغربيين اللذين ينضمون ويروضون العشوائية ويؤطّرونها ، أما الشرقيين فهم يجملون العشوائية و الطيف .
كيف يستطيع الملحن رؤية الطاقة المحيطة بالكلمة أو المنطلقة منها ، أو الطاقة المحيطة بالشعور ، ويستطيع القبض عليها وإطلاقها بطريقها الصحيح نحو القلوب مباشرة ؟؟. إن الملحن مع الكلمة كزرقاء اليمامة مع القادم من بعيد .
أكبر معاهد الموسيقى بالعالم ، هي ليست أكثر من ترتيب الأدوات والأواني التي يمسكها الملحّن ويحتاجها .
أكبر معاهد الموسيقى بالعالم ، هي فقط لحسن استخدام تلك الأدوات . هي فقط لتسمية الأشياء وليس لصناعتها .
لذااااا ، فالملحّن هو المورد الإنساني ، والمعهد مهما كان عظيماً فهو الأدوات والأواني .
أو بصورة أخرى أقول : بالمطبخ يُسلَق اللحم ولا يُخترَع ، بالمطبخ يُقطَع الخس ولا يُخترَع .
وأستطيع وصف مؤسس المعاهد العالية للموسيقى بأنه مهندس ديكور رائع ، كي يهندس غرفة جلوس الملحّن كما يحلو للملحّن .
وللموهبة مذاهب ليست متطابقة تماماً دائماً .
كما أن للتذوق مواهب ومذاهب ، ليست متشابهة تماماً .
وليد غالب بلان
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين