عجيبة هي الجملة الموسيقية ، إن لها سُلطة نافذة الأوامر على النفس ، والنفس تنصاع لها بكل حب وطواعية .
عجيبة هي الجملة الموسيقية ، لا ثوب لها ، لكنها ترمي على كل نفس ثوباً ، مفصلاً على مقاس رضاها بالتمام والكمال .
عجيبة هي الجملة الموسيقية ، تتلو على النفس رواية ، بها بلاد وحارات وأحياء وفصول ، وجيران وأحاديث ووجوه ...
بها كل الرضا والسلام والحب ونبض وسمو .
عجيبة هي الجملة الموسيقية ، خالية من الحروف ، لكن حين أسمعها ، يكاد ينفجر عنقي بالروايات والحكايات .
تشبك أيدينا ، وتثير أحاديثنا مع كل حبيب بعيد ، وتعانقنا مع كل عضيد رحل ، أو غالٍ نشتاق له .
لكل نفس قوام ، لكل نفس دهاليز وتضاريس وعلامات استفهام ونقاط وحروف وسطور طويلة .
لكل نفس حمضها النووي الخاص بها ، المعقد والمختلف عن غيره ، لكنها تصبح متشابهة تحت تأثير الموسيقى .
وحدها الجملة الموسيقية تختزل كل مكنونات النفس هذه وتقودها للسلام والرضا والحب .
تتكدّر النفس وتقسو أرضها و تتصحر ، تتعقّد حبالها وتتشابك .
وحدها الجملة الموسيقية ، تضعضع الكيان المتصلّب ، كي يمر الهواء النقي وليصل نور الشمس للداخل .
تشق التراب المتكدّر ، تفلحه وتثنيه ، تفكك كل تشابك ، تمطر ، لتنثر القمح وتزرع زيتون وجفنات عنب .
وتدفع العطاء بها وتدير عنفة الكرم .
تدلّك جسم الحب والسلام بنا ، تفجّر كل الدمامل مخزونة الخبث .
أما كل أسى وأذى وحقد ، فهي القادرة على جعله مبني للمجهول ، وتخفي فاعله تحت نيابة طيفه فقط .
وحدها الجملة الموسيقية القادرة على ربط اللطيف بالكثيف بمكيال العدل ، وحدها القادرة على مواءمة الحلم بالواقع .
حتى بعد تيبّس العقل عن العطاء ، ويصدأ كسيف طال أمده في غمده ، فإنها تندّيه وتستلّه وتخزه وتنشّطه ليعطي خيراً ، أجل خيراً .
ما السر بها ؟؟ كيف تدفع الهواء بالخلاء ؟؟ كيف ( تذبحنا بلطفها ) ؟؟.
يسرقنا اللحن الجميل المتقن كما يسرقنا النوم من بعد عناء . وحين يتغير مقام اللحن بعد إشباع اللحظة به إلى مقام آخر ، يكون كما يغير الجسم وضعية نومه ليرتاح أكثر بوضعية جديدة .
الملحّن البارع ، يمتلك ما لا يعلمه أحد من الناس . لا علماء النفس ولا الاجتماع ولا البيولوجية ولا الطب ولا أي أحد . حتى الملحّن نفسه لا يعلم كنه العين التي تطلق هذه العذوبة . فقط نعرف أن هذه العين هي من كنه إنساني سامٍ ورفيع جداً ، ولا يمكن أن تكون غير ذلك .
إنه يتمثّل حالة القصيدة ويتماهى بها ، ويتوحّد معها ، بل حالة الكلمة ، بل الحرف . ويحررها من كثيفها ليطلق لطيفها . كما يتماهى الممثّل البارع بتراكيب الشخصية .
أما إن كان يؤلف قطعة موسيقية صامتة ، فهو يتماهى في حالة أو بيئة أو مجتمع أو تاريخ ، أو حتى سفرة الصباح أو طاولة المساء ، أو كلهم معاً . يرحل بجناح الملائكة في كل هذا ، ويأتينا بما غنم من جمال رحلته ، ويهدينا الغنائم قطعة موسيقية لتعيش النفس مع لحنه ملحمة بأبعاد ثلاثية .
إن موهبة التلحين هي كالأحجار الكريمة ، لا يمكن تقليدها بالصناعة بتطابق تام .
عزّ على الجملة الموسيقية أن تكون ديوان تاريخ الشعوب كما الشعر ، لأن التاريخ هو الكثيف الذي بقي من الجسم ، أما الموسيقى فتتقوت من اللطيف . قوتها هو الحيّ من الزمن .
عزّ على الجملة الموسيقية أن تكون ديوان تاريخ ، لأنها لا تثرثر ، ولا تكذب .
لكنها ، وبجدارة هي ديوان تاريخ حالة الشعب وبيئته في زمن ما .
..........................
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين