قد يذهب الإنسان إلى أبعد نقطة في هذه الأرض ليكتشف أحب شيء إلى نفسه. وقد يذهب إلى اّخر أصقاع الدنيا ليبحث عن شيء قد يكون في جدار بيته أو في أرض داره .وقد ينقب في أدبيات الشعوب عن فصول للبطولة عن ملاحم وتغاريب وتشاريق . يسافر بين السطور يبحث على الورق عن وطنِِ يتشابه مع أحلامه أو عن بطولات وهمية يهرب إليها من هزائمه المتوارثة وانكساراته اليومية ليرتدي قبعة ثائرِِ من أميركة اللاتينية أو يرسم على جبينه عقدة متمردِِ من شخصيات الأدب الروسي . في هذه المرة سأذهب إلى ركونِِ ما تزال دافئة ومازالت أنفاس أصحابها عابقة في المكان أبطال حقيقيون من لحم ودم كانوا هنا منذ زمنِِ قصير ينظرون إلينا كنسور هرمة قيّس العمرأجنحتها ولكن ما زالت أحداقها جارحة . في تلك البيوت الحجرية السميكة الجدران في المضافات العتيقة كان الحديث يدورفي حكايا المساء ينسج مع الدخان المتصاعد من مواقد الشتاء رقصات تتبدد في ذاكرة المضافات. أركانٌ نسيها أصحابها أو هجرها ,أهلها وكذلك التاريخ تجاهل الرجال الذين سطّروا البطولات بأبجدية مضرجة بالجراح.. كأنما الفقراء ليس لهم مكان في الصف الأول إلاّ عندما تُدفع ضرائب الدم أو عندما تتقيء الأوطان أبنائها على دروب الهجرة .أمّا في تقاسم الأمجاد والولائم والغنائم فهم دائماََ في الصف الأخير .لذلك هم كثر الجنود المجهولين الذي لم يتكلم عنهم أحد وتجاهلهم التاريخ . (( فؤاد طربيه))الذي قضى بقية عمره مكافحاََ من أجل لقمة العيش بعد أن بدأه مكافحاًً من أجل لقمة الحرية .
كان في السابعة عشر من عمره عندما كان مسؤل ارتباط ببن الملتحقين من أبناء المنطقة الثوار المنتشرين في أماكن متفرقة من أطراف البادية مابين (المفردة ووادي كلات وانباش المنطقة الممتدة إلى أرض الكراع اي المنطقة الشرقية بعد قرية بارك ورضيمة الشرفية ), كان يتصل بشخصيات غابتني أسمائها في قرية الخالدية ولاهثة وبثينة ويقوم بالاتصال بالقاوقجي وثوار الغوطة للتنسيق في الحاق المجندين الفارين من الجيش الفرنسي من أصول عربية خاصة من المغرب العربي ويلحقهم بالثوار, تعرض مع الملتحقين الجدد في أكثر من مرة لقصف الطيران الفرنسي وهم يسيرون من قرية لاهثة إلى كلات في أطراف البادية شرقا حيث كان تجمّع بعض الثوار.
.كان نشيطا وشجاع إلى أقصى حد ,وأخبرني بلسانه عن بعض الأحداث الهامة التي حصلت معه , منها أن احد أبناء القرية كان قد أعطى فرسه للدرك التابع للجيش الفرنسي مقابل اجر شهري وعرف به الثوار فعقدو العزم على تفجير داره , توسط فؤاد طربيه وأقنع الثوار أن يعطوه الفرصة كي يكلم هذا الشخص وما كان من هذا الشخص إلاّ أن ذهب وسحب فرسه على الفور وكلفه أن ينقل اعتذاره إلى الثوار . ظروف اعتقاله تمت أثناء تواجده في قريته الجنينة وكان قد أتى شخصا يدعى حمد غيث من ابناء قرية الجنينة لديه بندقية إم كركر (بتسوى بنت ) على حد تعبيره وجاء كي يقنعه ان يهديها للثوار إذا لا يريد المشاركة بالثورة لكن الرجل قدم نفسه مع البندقية واتفقا أن يذهبا سويا في الغد الباكر (كان الثوار يطلقون على أنفسهم إسم العصابة) في تلك الأثناء جاء من يحذره أن العسكر الفرنسي منتشر في البلد وداهموا منزله واستولوا على سلاحه الذي كان متعودا أن يتركه في المنزل اثناء تجواله في القرية .لم يكن أمامه سوى الفرار من شباك المضافة ليجد أن الجنود الفرنسيين يطاردونه في شوارع القرية , استطاع بحكم خبرته بطبيعة قريته أت يفلت من أكثر من كمين لكن المطاردة استمرت ليدخل إحدى البيوت الرومانية ويختبىء في كهف يستخدمه أهل الدار لأغراض عدة , فطوق العسكر المكان دون أن يجرىء احد على الدخول وكلمه احد المستزلمين من أبناء المنطقة ليسلم نفسه وإلا سيهدمون المكان عليه بالديناميت ووعده أنه في وجه الكومندان الفرنسي , فرد عليهم خسئتم ان أخرج بوجه كالح لفرنسي أجرب ,أنا أخرج بوجه سلطان الأطرش فقط , وبعد قضاء بعض الوقت تفاوض معه بعض الوجوه والأصدقاء من أبناء البلد أن يسلم نفسه لأنهم سيفجرون المكان إذا رفض وكان شرطه أن يتعهدوا له إذا خرج أن يتعاملو معه باحترام وأن لايمس بسوء أو تذل كرامته أمام أبناء قريته , هذا ماحصل فعلا وتم ذلك أنهم اقتادوه مكبل اليدين دون أن يتعرض له أحد .
اقتادوه إلى أحد البيوت الذي اتخذها الضابط الفرنسي محطة له وهوبيت نفس الشخص الذي أبلغ عنه ومع الأسف كان أحد وجوه القرية ليجد أن بندقيته وقنبلتان وصندوق للصيغة ورثه عن والدته في حوزة الضابط الفرنسي .
سأله الضابط ماهذا ؟ أجابه إنه سلاحي قال له الضابط لماذا بحوزتك هذه القنابل؟ أجابه لأنني ثائر : قال الضابط لماذا أنت ثائر؟ أجابه إن الجبل ثائر وسلطان الأطرش ثائر وأنا من ربع سلطان وإبنٌ لهذا الجبل فقال له بالفرنسية بون.
اقتادوه إلى مدينة شهبا قبل أن ينقلوه إلى دمشق وتعرض لكافة أنواع التعذيب من اللذع بالكهرباء إلى شواء أقدامه على موقدة الفحم الحجري المتجمرة وكان يشتم رائحة لحمه المشوي أثناء استجوابه لكن كان إيمانه ووفائه أقوى(كان يضحك كلاأطفال وهو يقول كنت اسمع الحم يعمل طشش). هؤلاء الرجال لم يكن لديهم حزب سياسي ولا ايديولوجيات ولم يبحّوا حناجرهم في صياغة الشعارت و الأناشيد الثورية. كان لهم أخلاقهم الصارمة وأدبياتهم الصارمة لذلك هم يربطون بين الكلمة والفعل ومن أهازيجهم ( يا بوكذيل الهلهلي الموت أخير من الذلي) وإذا كان من الذل أن تبوح بأسرارمن أتمنوك ومن الذل ان تخون قضيتك و وطنك إذاََ الموت أخّيَر من هنا نستطيع أن نعرف كيف يهزم الجلادون ولم تهزم إرادة الرجال.
الجدير بالذكر أن أنوه عن مسألة مهمة وأرويها لكم كما رواها لي بالضبط. قال ...أخذوني على المحكمة وكان محامي فرنسي يدافع عني ونادوا علي اول ما سمعت اسمي فؤاد طربيه هزت الدنيا ؟. استوقفني هنا التساؤل لأفهم أنها حصلت هزة أرضية في هذه الأثناء .
ومن بعض المحكومين معه أذكر الشيخ يحيى نوفل حكم عليه بالإعدام . وأخيه حمد نوفل وإبراهيم جمّول وجميل قرضاب وفؤاد طربيه أربعون عاماََ سجن مع النفي وبعد الإستئناف لغي النفي وقضى فؤاد طربيه إثنا عشرة عاماََ في السجن ليشمله العفو الذي صدر عن جميع الثوار ليعود ويبدأ رحلة العمر الطويلة حيث عاش في الظل مقارعاََ سنين الفقر دون كلل ودون تذمر سألته مراراً وهو يحمل على ظهره كيساََ من الخضار و كان قد تجاوز الثمانين من العمر لماذا لا تطالب براتب منحته الدولة للمحاربين القدامى( المجاهدين) ؟ كان يرد بعفويته أنا لاأتسول .ولم أدافع عن وطني كي أتقاضى اجرا , أقول له هذا ليس تسول إنه من خير هذا الوطن وأنت أحق الناس به يقول مبتسماََهم يعرفون من حارب ومن توارب يعرفون ... يعرفون ويتجاهلون وطالما فلان الداسوس أي( العميل ) الذي وشى بي للفرنساوي وأبلغهم عني وعن كثيرون غيري ناله راتب المجاهدين على الرغم أنهم كانوا جواسيس (دواسيس )وصاحبنا الذي وشى عني وكان عميلا لحقه الراتب (أكلها على النقارتين أخو الدياني) ويمضي ضاحكاََ محلقاََ في فضاءات نفسه العزيزة(كالطائر الحر) ليدخل عامه التسعين وتوافيه المنيّة عام1989وربما لم يعرف هذه
الاحداث غيري لأن الفقراء ليس لهم مكان في الصف الأول إلاّ عندما تُدفع ضرائب الدم.
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين