الرئيسية
نصر شمس الدين ، المارق عالطواحين
صوته بحد ذاته له شنب عريض مفتول .
صوت تقف النسور على شاربه المفتول .
حنجرة يقف بداخلها شمشون الجبار.
صوت عريض المنكبين مفتول العضلات ، طيب القلب ، محبُ للحق والعدل ، والقياس الصحيح .
صوت يلمع كماء على حجر أملس يعكس ضوء الصباح والقمر المكتمل .
نصري شمس الدين ، أجمل لفظ لكلمة ( مي ) سمعتها بحياتي هي من فمه ( عمهلك لا تخلي المي ، تهدر بالقناية ) .
نصري شمس الدين ، أجمل من وضع الطربوش على رأسه ، وكان مفعم بخفة الدم حين رمى ذاك الطربوش .
الذي لحق العصفورة من وادي لوادي ، وحلف بعينيها أن قلبه ناوي لها تحت الزعرورة .
نصري ، شيخ الصيادين ، الأكثر براعة وحلاوة في سرد كذب الصيد و التهريب والشطحات ، وألطف من ارتدع من ابنة أخته أو حفيدته ( هيفاء ) بكل تواضع .
البويجي أبو أرباع الليرات ، الذي أناخ صوته الهدار ليؤدي حالة الدراويش ( الطفرانين ) بكل رقة وعذوبة .
صوت هدار ، ملؤه رجولة وحنيّة وإحساس .
يقول المقام الموسيقي مهما اشتدت عليه الصعوبات والمنعطفات اللحنية ، بكل براعة وبدون أدنى ( منفخة ) أو استعراضات ، حيث الاستعراضات موجودة سلفاً وبتلقائية بجوهر صوته .
يؤدي الطبقات الموسيقية من القرار للجواب ، بشكل مشبع وبصوت متجانس تماماً ، ولا يفقد أي ( أوبشن ) أو تقنية من صوته بأي لحظة .
قال ، أدّى ، غنى أكثر من لون ، وأكثر من شخصية استطاع أن يجسدها في الاسكتشات والأغاني .
ولشدة صدقه في أداءه ، فقد التصقت به الشخصيات التي يؤديها ، مثل ( الخال ، شيخ الصيادين ، المهرّب ، أبو الطربوش ، أبو الشطحات بحديثه ) وعلى هذا سأذكر ما يلي :
لحسن الحظ ومحاسن الصدف ، جرى أن التقيت بالفنان الكبير ملحم بركات ، تحرشت به بطريقة دهائية كي أشده للحديث ، نجحت بهذا، وبعد أن شعرت بكرت أبيض معه قلت له :
( شاردات المحيا ، واردات عليّا ، كالغزلان السارحة ، واللواحظ جارحة ... ) ألحانك أستاذ أبو مجد ؟؟ قال نعم . قلت : أوشكت أن توقع بنصري شمس الدين في شراكك ، لكن صوته أنقذه .
فوافق ملحم وأقر لي بما قلت .
ثم سألته : رح حلفك بالله أن تجيبني عن أغنية ( ما اشتقتيش ) التي أعطيتها لفهد بلان . هل لحنتها لفهد بلان خصيصاً أم أنك كنت محضرها لنصري شمس الدين ؟؟
نظر لي مندهشاً وقال : والله العظيم لحنتها لنصري ، بس أنت كيف عرفت هالشي مع إنو فهد بلان نفسو ما عرف ؟؟
قلت له : لأن شخصية ( أبو الدراويش ) في الأغنية تنطبق على نصري وليس على فهد بلان ، ثم إن لحنها وخاصة في قفلة كل كوبليه منطبق تماماً على طريقتك في التلحين لنصري .
أقول هذا للتأكيد على أن نصري استطاع بصدقه وإحساسه أن يطبع في خيالنا شخصيات ارتبطت به . وهذا ليس سهلاً .
نصري ، بقي الأكثر وفاءاً ، بل وإيثاراً لمشروع الرحابنة ، ولا يختلف اثنان على قول ( نصري شمس الدين مظلوم ).
هذا القول صحيح في حال أن نصري شمس الدين أراد نجومية لنفسه ، هذا القول صحيح في حال أراد نصري أن يفتح شباك تذاكر لنجوميته ، يجني منه الأموال . لكنه آثر المشروع الموسيقي للرحابنة على مشروعه لنفسه . وبقي عقيد ركن بأركانهما . ومع هذا فهما لم يبخلا عليه شخصياً ، لكن بحدود أن يبقى بغرفة عملياتهما ، مطيع .
تتجلى بصوت نصري شمس الدين وتتجسد النبرة اللبنانية ، وهي نبرة الصوت التي لا تخرج من الشفتين إلا بعد مرورها على مخرج حرف العين ( ع ) فتخرج ممزوجة به ( كما صوت جوزيف عازار ، نهاد طربيه ، طوني حنا ... ) . ولنا أن نتخيل النبرة اللبنانية في قول ( شوباك يا خيي ؟؟ ) .
نصري يُعتبر ( محمد عبد المطلب ) اللبناني .
بيوم ما ، في ليلة ما بالستينات ، قال له فهد بلان : ولاك يا نصري أوعك ، دير بالك الليلة لما تغني ، عبد الوهاب موجود هون و عبيسمع كل الأعمال الليلة .
قال نصري باكتراث : عن جد ولاك يا فهد ؟؟
ثم هدأ ، باكتراث أيضاً ، وفكر لحظات ، ثم قال : آآآروح عنا ياااه ، شو بساويلو يعني ؟؟ حتى لو عبيسمع ، صارلي عشرين سنة بغني هيك والناس راضية عني .
ثم هدأ وفكر لحظات وقال ثانية : طيب أنت ليش تقوللي ؟؟شو ضاربك حتى تخبرني ؟؟ كركبتني يا فهد .
رد عليه أبو طلال : منشان شي مرة نطلع أكذب منك .
وإذ بقهقهة فيليمون وهبة تجلجل شامتة بنصري شمس الدين الذي يتبارى دائماً هو وفيليمون وهبة بالكذب ، حتى صار يقال عنهما ( مشايخ الكذابين بلبنان ) .
سأل منصور الرحباني فيليمون وهبة : من كذاب أكثر يا فيليمون ، أنت أو نصري ؟؟
قال فيليمون : كنت أنا المنتصر ، بس نصري إسا صار فووووق فووووق ، نقيب الكذابين وما عاد رح إقدرلو ، بتعرف ليش يا منصور ؟؟
قال منصور : ليش وكيف ؟؟
أجاب فيليمون : على عشرتكم أنت وخيك صار نصري متفوق عليي بالكذب والمقالب .
وبناءاً على هذه الصفة بنصري شمس الدين ، فقد استغلها الرحابنة في إعطاءه شخصية المختار الذي اخترع كذبة يوهم بها أهل القرية عن شخص اسمه راجح ، وراجح هذا هو المسبب لكل المشاكل التي لم يقدر على حلها المختار .
وأعطوه شخصية الصياد الذي يسترسل في سرده وشطحاته حتى ينسى نفسه .
والمهرّب الذي يواجه جيشاً كبيراً من الجمارك بمفرده .
فكان نصري شمس الدين أحلى صياد استرسل بحديثه وشطحاته ، وقد استجاب لابنة أخته في زجره عن تلك الشطحات .
كان الراوي الأكثر صدقاً لحكايات الأخوين رحباني .
عرفت هذه الأشياء عنه من خلال أحاديث مع عمي فهد عن نصري ، ومن أحاديث الشاعر الكبير جورج جرداق ، وكان قولهما عن كذبات نصري وفيليمون التي كانت تشغل الوسط الفني بأفلمتهما على أصحابهما ومقالبهما وعدم التزامهما بأي موعد أو خبر . طبعا كذب أبيض لا يؤذي ولا يضر . يستخدمانه للضحك مع بعضهم وللتندر على بعضهم فقط لا غير . وقد كانا يتبارزان بمن يسجل أهداف أكثر في هذا .
نصري شمس الدين ، فنان كبير ، عزّ نظيره .
في جيب من حنجرته يختزن أطنان ، بل عشرات الأطنان من ( فنفانين يتفنفنون اليوم ) وبجيب صغير من صوته نجد ( سوبر ماركتات لبيع سوبرات ستارات هذه الأيام ) .
شرف كبير لخشبة المسرح أن يلفظ أنفاسه الأخيرة عليها .
» دموع
» سمراء
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
» الرحلة
» حول الوضع الثقافي الراهن
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
» كبة البطاطا بالبرغل
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
» الصفقة الصفيقة
» الإعلام
» مجموعة جديدة
» ثورة الحرابيق