أصالة نصري ، هونيها بتهون
أصالة ليست مادة كافية كي أكتب عنها مقال ، لكنها أكبر مثال نقيس عليه الظلم الذي طال أصول الإحساس والأداء ، والخروج عن مقاس و مضمون اللحن ، بل والتمرد عليه .
ما من أحد فرض نفسه على الجملة اللحنية ( كلمة ولحن ) بقدر ما فرضتِ نفسك ، كمن يفرض نفسه على الفكرة . وهذا أكبر عيب .
لا تؤاخذيني ست أصالة ، فمن مبدأ المعاملة بالمثل والعين بالعين ، لذا سأتقدم بالحديث عنك ، تماماً مثلما تتقدمين من أداء الأغنية ، بتطابق شبه تام لطريقة غنائك . لذااا ، تقبلي مني ما قبله اللحن منك .
أصالة في أدائها تعمل من ( الحبة قبة ) حتى في أسلس الحوارات بينها وبين الكلمة واللحن .
أصالة ، حين تنكأ الجملة اللحنية مَلَكة أدائها ، فكأنها نكأت عش دبابير ، فتخرج علينا الدبابير ( تفوع ) للدفاع عن عشها ، لسع وأزيز ، ولا ينفع معها أي كان لفض المشكلة .
حين تبدأ ( تفتح ) للغناء ، كأنها فتحت ( الكوارة ) علينا .
سيالة أعصابها شديدة التدفق .
أصالة ، إحساسها مقصود ، مقصود ، والإحساس يجب ألا يكون مقصود . الفنان كجسر يعبر عليه الإحساس بسهولة وحرية ، أما عند أصالة ، فهي حاجز جمركي للإحساس ، تفرض عليه ضريبة لأكثر من 90 % .
أصالة ، عُرب صوتها لها ، وليست للأغنية . تقول العُرَب وتراقب آذان السامعين كمن يتتبع الأثر .
المبالغة في العُرَب إلى درجة أداء أصفه شديد البجاحة والجرأة .
تلحق شخصياً بإحساسها مهما كان بعيداً ، حتى بالجُمَل التي يجب أن تبتعد عن نفسها بها ، وتبقى هي الأهم في أدق تفاصيل الإحساس وأكبر متطلباته في اللحن ، وهذا أكبر عيب .
متطلبات الإحساس :
الدخول بالمعنى ، ثم التماهي به ، نضحه ، غزله في الشجن ، ثم تركه عند الشباك . الشباك أعني به فوهة الإرسال ، وليس ( فوهة الإطلاق يا أصالة ) . تركه بمعزل عن الشخصية التي تطلقه .
حيث المطربين والمطربات حين يتوغلوا في الإحساس ، نراهم غائبين عما حولهم وحولهن ، العيون مغمضة ، حركاتهم تتحول إلى لا إرادية ، لكن أصالة حين تفعل هذا تكون قد دخلت لذاتها وليس للإحساس ، تؤدي مشهد تدربت عليه أمام المرآة ( تماماً مثل ماجدة الرومي ) .
بصوتها طاقة قوية ، و به درجة لا بأس بها من الجمال المشوب ، تصطاد طبقة النغمة وتصيبها تماماً ، لكنها تغتصب اللحن اغتصاباً ، تتعارك مع الجملة اللحنية ومع الكلمة ، بل ومع الحرف عراكاً ، وكأنها تقول ( يا أنا يا أنت ) ، وكأنها في حلبة مصارعة . ولا ينقصها إلا عصا وحزام حتى تجلد القصيدة وورقة النوتة الموسيقية .
هي لا تنشّز عن الطبقة ، هي لا تنحرف عن النوتة ، لكن غناؤها كله كوحدة كليّة يقع تحت خانة ( الغناء والأداء النشاز ) بجدارة ، لأنها بانفعالها تذهب بما يحمله اللحن من شجن ومستلزمات اللحن إلى مكان آخر .
أنا كمستمع ، لا أريد أصالة شخصياً ، بل أريد الأغنية .
والدها الفنان الكبير مصطفى نصري ، كان في زمن لا يسمح للأخطاء الفادحة بالمغنى ، هو فنان كبير ، لكنه كان يغني أكثر من اللزوم ، فاقد الكاريزما تماماً ، لهذا لم يجد مكاناً . أما هي فقد ورثت عن أبيها طريقة المغنى الأكثر من اللزوم ، وزادت عليها أضعاف ، إنما هي موجودة في زمن الفن الذي لا يسمح إلا بالأخطاء الفادحة ولا مكان به للصحيح . لذا ، فهي ومنذ 15عام أفضل الموجود فعلاً .
هي بنت أصل ، موهوبة ، معبّأة بالغناء . إنما كل هذا لن يجدي حين يفقد الفنان ولاءه للحن أو يقدم نفسه عليه . كل هذا لن يجدي إن لم يكن غلاف الذوق كاف له .
ببالها حين تغني كل من ( نور الهدى ، سعاد محمد ، شريفة فاضل ، كروان ) وهي محتارة بينهن ، وقد انتقت من أصواتهن المناطق شديدة الوضوح .
كل واحدة من أولائك هي وحدة غنائية إحساسية بحد ذاتها ، تبدأ بألف وتنتهي بمكان ما من الأبجدية وليس بالضرورة أن تكون الياء ، كل واحدة منهن حالة خاصة . أما أصالة فهي حالة خاصة جداً لكنها تجمّعت من عموم إحساسات ، بدايتها ونهايتها ليست نظامية .
أداؤها قليل الأناقة ، أو عديمها .
انفعالها هستيري لأنه انفعال لذاتها أكثر مما هو للكلمة و اللحن . وصل لدرجة الردح أكثر الأحيان . حتى ممكن أن أقول أنها تنفعل لنفسها أمام الكلمة واللحن وكأنهما أعداءها بالحوار .
الأداء الحساس الصحيح هو حوار داخلي بين المطرب والكلمة الملحَّنة ، أما عند أصالة فهو حوار يلزمه الكثير من ذوقيات وأصول الحوار .
سمعتها تقول : ( لسى فاكر قلبي يديلك أمان ) إن سمعها أحدكم ، فليتذكر كم زادت بأدائها على أم كلثوم بحد ذاتها ، سترك يا ربي على فعلتها وانفعالاتها .
هل من مزاودة على قدرة وديع الصافي في ( العُرَب ) ودحرجة والتفافات الصوت وقوته ووووو ؟؟ بالطبع لا .
لكننا حين نسمعه يقول : ( حلوة وكذابة يا أغلى أحبابي )، أو ( بتروحلك مشوار ) أو ( ويلي لو يدرون يابا ) وكثير من الأغاني المشابهة . قد ترك جانباً كل إمكانيات صوته العظيم ، لم يقترب من أي من مواصفات الاستعراض ، تقدم من الأغنية و أداها ببساطة شديدة حتى خلنا أنه مسكين في إمكانيات صوته ،،، لماذا فعل وديع هذا ؟؟ ببساطة شديدة ، لأن اللحن والكلمة لا تحتاج أكثر من هكذا أداء .
هل من شك في إمكانيات الاستعراض بصوت أم كلثوم ؟؟ بالطبع لا .
كيف قالت ( فكروني ) أو ( أنت الحب ) ؟؟ ببساطة سلسة جداً ، لأن الأمر لا يحتاج لأكثر من هذا .
الأداء على مقاس اللحن والكلمة هو مربط خيل الإحساس والصدق في الأداء لصالح الأداء .
أما لو فرضنا أن أصالة تؤدي ( حلوة وكذابة ) أو ( فكروني ) لكانت تطابقت الأغنية بأدائها مع ( صح يا رجال ؟؟ أيوا صح .. حنا للسيف والليل ووو ) أو مثل ( صف العسكر رايح يسهر ) ، لأنها ( أم عصّ ) . فهي أول ما تنظر للّحن تفكر أين زوايا تفريغ عُرَبها والتفافات صوتها واهتزازاته .
العُرَب الصوتية لها حاجتها حين الاضطرار ، يجب أن تُستخدَم بالحد الأدنى ، للتحلية أو التزيين أو للخروج من مأزق صعب في اللحن . وليست للاستخدام عطّال على بطّال .
لاحظو معي حين أدت أصالة ألحان لكبار الملحنين ( سيد مكاوي ، محمد سلطان ) مثل أغنية ( لو تعرفوا ، لحن سيد مكاوي . أغنية ، سامحتك ، لحن محمد سلطان ) تأدّبت وهدأت لأنها لا يمكن أن تتلكّأ مع هكذا ملحن . أما حين تكون هي أشهر وأقوى شخصية من الملحن ، فلا الزوابع ولا العواصف تلحق بتمردها على اللحن .
الجمهور الآن يؤخذ بما يلمع ( الشهرة ، غلاء التذاكر ، الانفعال بالأداء والتمثيل به ) الجمهور مسكين . لذا ، فأصالة هي من أخطر الظواهر على الفن ، لأنها بعين الجمهور الحالي ، قد حصلت على الحصانة ، وعلى واقية الرصاص ، لأنها تبرق بعيون الجمهور بسبب تصرفاتها بالأداء ( تعرف ما تضع على وجه الصحّارة ، بس مش عليي أنا ) .
لو كان على زمن أم كلثوم والقصبجي والسنباطي كل هذه الفضائيات لما ماتوا .
لو كان على زمنهم قصور وسيارات فارهة تهدى لهم في دبي وجدّة وبيروت ، لما ماتوا .
يا حرام ، سيد درويش دفنه ثلاثة من أصحابه ، وما كان يركب أكثر من ( حنتور ).
محمد القصبجي خلف أم كلثوم يعزف ، وربطة عنقه غير مغسولة وليس معه ثمن واحدة .
أصالة ، سلمي لي على لطيفة التونسية .
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:26 pm من طرف لطفي الياسيني
» دموع
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:25 pm من طرف لطفي الياسيني
» سمراء
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:24 pm من طرف لطفي الياسيني
» انا الملوم انا الجاني على وطني / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:20 pm من طرف لطفي الياسيني
» مات الضمير وشيعوا جثمانه / د. لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:17 pm من طرف لطفي الياسيني
» قصيدة في وصف فـلـسـطـيـن قبل النكبة / الحاج لطفي الياسيني
الثلاثاء يوليو 15, 2014 12:15 pm من طرف لطفي الياسيني
» الرحلة
السبت مايو 03, 2014 9:43 am من طرف تيسير نصرالدين
» حول الوضع الثقافي الراهن
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 6:07 pm من طرف mriame
» صباح ..................مساء الخير من الجنينة
السبت يناير 19, 2013 10:47 pm من طرف سوسن سين
» كبة البطاطا بالبرغل
السبت يناير 19, 2013 10:39 pm من طرف سوسن سين
» عثمنة الخطاب السني الرسمي
الأربعاء ديسمبر 26, 2012 11:30 am من طرف تيسير نصرالدين
» الصفقة الصفيقة
الخميس نوفمبر 22, 2012 6:07 pm من طرف تيسير نصرالدين
» الإعلام
الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 5:16 pm من طرف تيسير نصرالدين
» مجموعة جديدة
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:24 am من طرف تيسير نصرالدين
» ثورة الحرابيق
الأحد سبتمبر 23, 2012 10:09 am من طرف تيسير نصرالدين